اسواق النخاسة بلا حراسة.

اسواق النخاسة بلا حراسة ..هكذا تراءت لي الحقائق ودلني اليها فكري بخلاصة ..ارى الدنيا تمشي بالمقلوب ..حقائق مضطربة وعدلا مسلوب ..يعظك بعضهم بحسنات واخرين بذنوب ..ارى شيئا على الحائط مكتوب ..اعصابا متوترة وواقعا معصوب ..ثيابها رثة بالية لاتحصر لها ثقوب ..ينتصر فيها الغالب ويلام المغلوب ..دنيا خسيسة ..رخيصة ..تفشى فيها النفاق والشقاق وجملت بالمعاصي والذنوب ..يستجدى فيها الحق ..واذا سئل يرد " الله ينوب " يحرك اوتارها سادة المادة يمينا وشمالا وسطا وجنوب ..اندثرت وزالت محاسنها وتربعا على عرشها القبح والعيوب ..يكذب فيها الصادق ويمتدح الكذوب ..هي بخلاصة ..قمة الخساسة ..في عالم السياسة ..وللقذارة فيها ضروب ..حدد معجم اللغة كلمة النخاسة قديما كما يلي
"النخاسة والنَّخَّاسُ بائع الدواب، سمي بذلك لنَخْسِه إِياها حتى تَنْشَط، وحِرْفته النِّخاسة والنَّخاسة، وقد يسمى بائعُ الرقيق نَخَّاسا." وقد سبق التعريف الواقع والتاريخ والزمن ولم يكن بخلد اللغويين ان هذا التعريف قد ياتي زمن يختل توازنه وتتضارب مفاهيمه وتنقلب راسا على عقب ..كما هو حال عصرنا اليوم ..فلا نخاسين بمعنى المفهوم ولا تجارة رقيق وجواري ..ولم يبقى تقريبا غير نخاسة الدواب ..هاته الاخيرة سخرت للانسان تخدمه ويسترزق منها ويفعل بها ما يشاء ويشتهي ..وحافظت اسواقها على بقائها ..فلا تكاد تخلو مدينة او قرية منها في معظم ارجاء المعمورة ...وما يهمنا من هذا كله هو معنى الكلمة ومصطلحها وطرحه ضمن القياس او المقياس الذي نقيس به الاشياء في واقعنا ..لقد تغير هذا الواقع مع تغير الظروف والاجيال والخلق ..وسرنا نرى للنخاسة اسواقا ليست كما وصفها لنا السابقون ..وبضاعة ليست كتلك التي اشير اليها في المصطلح اللغوي ..فالسياسة هي بضاعة القرون الماضية والحاضرة والسياسيين هم تجارها بل هم لا يقلون شانا عن النخاسين فهم ينخسون غيرهم من العباد حتى ينشطوا واذا نشطوا وتحركوا لن تبور تجارتهم ولن تعرف ركودا ولا افلاسا ..يبيعون الاوهام والاحلام لكل مشتري وراغب .." يبيعوا القرد حاشاكم ويضحكوا على شاريه " وكلما افلس نخاسا الا وترك من يخلفه ..وكلما اختفى وزال سوقا الا واحدث وانجز سوقا اخر ..ولم يسجل التاريخ ان الطلب فاق العرض ..وبما ان اللعبة قذرة مضطربة غير دائمة ولامستقرة ..فاغلب نخاسي العصر يستغلون الفرص ويتوقعون مباغة النهاية لذلك يسعى جلهم لحوز حصانة وكسب المزيد من الارباح في اسرع الاوقات الممكنة ..واما حال الرعية فهي على فطرتها تعيش وتحيا ولا تحرك سواكنا ولا تقاوم اسيادها ولا تعرف للعصيان طريقا الا نادرا وهي اشبه بالدواب حتى اذا اسيء معاملتها واهملت رعايتها ..وضيق الخناق على رقابها وانهكت في وخدمة اسيادها النخاسين الذين لا يهمهم منها غير سلب ونهب خيراتها وتجويعها حتى تركع دون رقابة ولاحراسة ..فما اشبه واقعنا باسواق النخاسة .