منتديات جوهرة سوفت - Jawhara-Soft Forums منتديات جوهرة سوفت - Jawhara-Soft Forums

العودة   منتدى التعليم التونسي (Jawhara-Soft) > التعليم و الثقافة > خواطر و مقالات أدبيّة
خواطر و مقالات أدبيّة بخفق الورق و رحابة الحرف نرتقي إلى أكوان الرحابة .. قصة ، شعر ، فلسفة ، خواطر و مقالات أدبيّة


موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2010-12-25, 14:54 رقم المشاركة : 1



Icon1 أعمال القلوب






أعمال القلوب





لقد حثنا الدين الإسلامي الحنيف على الاهتمام بالقلب وتزكيته، وتطهيره من الشوائب والأمراض، وذلك لأن عليه المعول في صلاح الأعمال أو فسادها...

و بالتالي فأعمال القلوب من الموضوعات المهمة التي ينبغي أن يعنى بها المسلم ويتفقه فيها لما لها من عظيم الأثر في قبول العمل.

سنتطرٌق إذاا في هذا الموضوع إلى إبراز مختلف هذه الأعمال العظيمة الرٌاقية و التٌعرٌف
في ذلك على مفاهيمها و مدى أهميٌتها .

تابعوا معي إذاا أيٌها الأخوة هذا الموضوع.












 
قديم 2010-12-25, 16:12 رقم المشاركة : 2

Thread Dot 16


سنبدأ بأوٌل عمل لتزكية القلب و طهارته و هو :

محبٌة رسول الله صلٌى الله عليه و سلٌم





إن من أفضل أعمال القلوب وأرفعها محبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمحبة النبي -صلى الله عليه وسلم- من أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله عز وجل؛ وهي من العبادات القلبية التي يحبها الله عز وجل.

ومحبة النبي -صلى الله عليه وسلم- علامة صادقة على محبة الله عز وجل؛ لأن دعوى محبة الله -عز وجل- دون محبة نبيه -صلى الله عليه وسلم- واتباعه دعوى كاذبة؛ وقد بين ذلك الله -عز وجل- في كتابه الكريم حيث قال: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (سورة آل عمران آية 31)؛ وقد بوب الإمام البخاري في صحيحه بابا سماه: بَاب، حُبُّ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الْإِيمَانِ؛ وأورد عدة أحاديث توجب ذلك الحب الرفيع للنبي -صلى الله عليه وسلم- منها ما رواه عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ).

قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري:

ومعنى الحديث، والله أعلم: أن من استكمل الإيمان علم أن حق الرسول وفضله آكد عليه من حق أبيه وابنه والناس أجمعين، لأن بالرسول استنقذ الله أُمته من النار وهداهم من الضلال، فالمراد بهذا الحديث بذل النفس دونه -صلى الله عليه وسلم-.

ومحبة النبي -صلى الله عليه وسلم- تورث حلاوة الإيمان؛ حيث روى البخاري في صحيحه عن أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ؛ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ).





يتبع بإذن الله








 
قديم 2010-12-25, 16:34 رقم المشاركة : 3

Thread Dot 16


محبة الله تعالى




من أجل أعمال القلوب وأعظمها أيضا حب الله تعالى؛ وحب ما يقرب إليه.
وحب الله تعالى هو رأس الإيمان؛ وهو أس العبودية وأساسها؛ والمُحب لله تعالى مؤثر له على كل شيء في الوجود؛ والمحبون لله تعالى هم القائمون بأوامره الشرعية؛ والمنتهون عن زواجره.

وقد ورد الأمر الشرعي بحب الله تعالى؛ وحب ما يقرب إلى حبه؛ وورد علامات لمحبة الله تعالى.

فقال تعالى: ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ (المائدة/ 54).

وقال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ (البقرة 165).

روى البخاري في صحيحه عن أنس - رضي اللَّهُ عنه - عن النّبيّ - صلّى اللَّهُ عليه وسلّم - قال: (ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان اللّه ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما، ومن أحبّ عبدا لا يحبّه إلّا للّه، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه اللّه كما يكره أن يلقى في النّار).

وروى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه أنّ رجلا سأل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ( متى السّاعة يا رسول اللّه؟ قال: ما أعددت لها؟. قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة، ولكنّي أحبّ اللّه ورسوله. قال: أنت مع من أحببت).

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: والقرآن والسّنّة مملوءان بذكر من يحبّه اللّه سبحانه من عباده المؤمنين، وذكر ما يحبّه من أعمالهم وأقوالهم وأخلاقهم. كقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (آل عمران/ 146)، ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (آل عمران/ 134، 148). فلو بطلت مسألة المحبّة لبطلت جميع مقامات الإيمان والإحسان. ولتعطّلت منازل السّير إلى اللّه. فإنّها روح كلّ مقام ومنزلة وعمل. فإذا خلا منها فهو ميّت لا روح فيه. ونسبتها إلى الأعمال كنسبة الإخلاص إليها.

بل هي حقيقة الإخلاص، بل هي نفس الإسلام. فإنّه الاستسلام بالذّلّ والحبّ والطّاعة للّه. فمن لا محبّة له لا إسلام له البتّة. بل هي حقيقة شهادة أن لا إله إلّا اللّه.

فإنّ «الإله» هو الّذي يألهه العباد حبّا وذلّا، وخوفا ورجاء، وتعظيما وطاعة له، بمعنى «مألوه» وهو الّذي تألهه القلوب. أي تحبّه وتذلّ له.








آخر تعديل siiriinn 2010-12-25 في 16:38.
 
قديم 2010-12-25, 16:54 رقم المشاركة : 4

Thread Dot 16


الخوف من الله تعالى




من أجل أعمال القلوب وأرفعها في ميزان العبد وأنفعها له في الحال والمآل خوف العبد من الله تعالى.

وقد حد علماء السلوك الخوف بأنه: اضطراب القلب وحركته من تذكر المخوف، يقول ابن رجب: القدر الواجب من الخوف ما حمل على أداء الفرائض واجتناب المحارم، فإن زاد على ذلك بحيث صار باعثا للنفوس على التشمير في نوافل الطاعات، والانكفاف عن دقائق المكروهات كان ذلك فضلا محمودا، فإن تزايد على ذلك بأن أورث مرضا أو موتا، أو همّا لازما، بحيث يقطع عن السّعي في اكتساب الفضائل المطلوبة المحبوبة للّه عزّ وجلّ لم يكن محمودا.

ويقول الحافظ ابن حجر: الخوف من المقامات العلية، هو من لوازم الإيمان، قال تعالى:
﴿وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (سورة آل عمران آية: 175).
وقال تعالى: ﴿ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ (المائدة: 44).
وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ (فاطر: 28).

وقال - صلّى اللّه عليه وسلّم -: ( أنا أعلمكم باللّه وأشدّكم له خشية )، وكلّما كان العبد أقرب إلى ربّه كان أشدّ له خشية ممّن دونه، وقد وصف اللّه تعالى الملائكة بقوله: ﴿ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ (النحل 50)، والأنبياء بقوله: ﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ (الأحزاب: 39)، وإنّما كان خوف المقرّبين أشدّ؛ لأنّهم يطالبون بما لا يطالب به غيرهم فيراعون تلك المنزلة، ولأنّ الواجب للّه منه الشّكر على المنزلة فيضاعف بالنّسبة لعلوّ تلك المنزلة، فالعبد إن كان مستقيما فخوفه من سوء العاقبة لقوله تعالى: ﴿ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ (الأنفال: 24) أو نقصان الدّرجة بالنسبة، وإن كان مائلا فخوفه من سوء فعله، وينفعه ذلك مع النّدم والإقلاع ؛ فإنّ الخوف ينشأ من معرفة قبح الجناية والتّصديق بالوعيد عليها، وأن يحرم التّوبة، أو لا يكون ممّن شاء اللّه أن يغفر له، فهو مشفق من ذنبه طالب من ربّه أن يدخله فيمن يغفر له.


وهذا الخوف المحمود يقترن بالرجاء كما في قوله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (سورة الإسراء آية: 57)، وعن أنس -رضي اللّه عنه -أن النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم -دخل على شاب وهو في الموت، فقال: ( كيف تجدك؟ قال: واللّه يا رسول اللّه، إني أرجو اللّه، وإني أخاف ذنوبي. فقال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم: لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه اللّه ما يرجو، وآمنه مما يخاف ).

وقد وعد اللّه الخائفين بالجنة فقال: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (سورة النازعات آية: 40 - 41).










 
قديم 2010-12-25, 17:06 رقم المشاركة : 5

Thread Dot 16


كن مؤمنا حقا




يا أخي الحبيب!!

كن مؤمنا حقيقيا وأكد إيمانك بالأقوال والأفعال، واحذر أن تكون من الذين قالوا: ﴿ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (سورة البقرة: الآيات 8 - 10)، ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (سورة الكهف: الآية 104).

بل كن من ﴿ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (سورة الأنفال: الآيات 2 – 4)، و ﴿ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (سورة المؤمنون: الآيات 2 – 11).

فبهذا تستحق رحمة الله -سبحانه وتعالى- الذي يقول: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (سورة التوبة: الآية 71).

وبهذا تكون من المبشرين في قوله تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ (سورة يونس: الآية 2).﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ (سورة يونس: الآيتان 63، 64).﴿ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (سورة الصف: الآية 13).












 
قديم 2010-12-25, 19:58 رقم المشاركة : 6

Thread Dot 16


تقوى الله






يا إخوتي في الله!!

قال -صلى الله عليه وسلم-:
( أوصيك بتقوى الله فإنه رأس الأمر كله ) .
وحسب العاقل أن يفهم هذا المعنى الكبير الذي ركز الرسول -صلى الله عليه وسلم- عليه، وهو أن التقوى بالنسبة للعبادة كالرأس بالنسبة للجسد، فكما أنه لا حياة للإنسان بدون رأس، كذلك لا معنى للعبادة بدون تقوى.

وهي كما وصفها علي -رضي الله عنه-: «هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل».
وهي المحافظة على آداب الشريعة.
وهي مجانبة كل شيء يبعدك عن الله -سبحانه وتعالى-.
وهي «أن لا يراك الله حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك».

والمتقون في هذه الدنيا كما وصفهم علي -رضي الله عنه-: «هم أهل الفضائل، منطقهم الصواب، وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم التواضع، غضوا أبصارهم عما حرم الله عليهم، ووقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم، نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالذي نزلت في الرخاء، لولا الأجل الذي كتب الله لهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقًا إلى الثواب، وخوفًا من العقاب، عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم، فهم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعّمون، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون، قلوبهم محزونة، وشرورهم مأمونة، وأجسادهم نحيفة، وحاجتهم خفيفة، وأنفسهم عفيفة، صبروا أيامًا قصيرة أعقبتهم راحة طويلة، تجارة مربحة يسرها لهم ربهم، أرادتهم الدنيا فلم يريدوها، وأسرتهم ففادوا أنفسهم منها.

أما الليل فصافون أقدامهم تالون لأجزاء القرآن يرتلونه ترتيلا، يحزنون به أنفسهم، ويستثيرون به دواء دائهم، فإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعًا، وتطلعت نفوسهم إليها شوقًا، وظنوا أنها نصب أعينهم، وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم، فظنوا أن زفير جهنم وشهيقها في أصول آذانهم، فهم حانون على أوساطهم مفترشون لجباههم وأكفهم وركبهم وأطراف أقدامهم، يطلبون إلى الله في فكاك رقابهم، وأما النهار فحلماء علماء أبرار أتقياء، قد براهم الخوف بري القداح، ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى وما بالقوم من مرض».

ومن أجل هذه الصفات الكريمة العظيمة، إذا قرأنا كتاب الله -سبحانه وتعالى- سنجد أنه تعالى قد وعد المتقين بكل فلاح ونجاح.

وعدهم بالحفظ والحراسة من الأعداء، فقال:
﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ﴾ (سورة آل عمران : الآية 120).

ووعدهم بالنصر والتأييد، فقال:
﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ (سورة النحل: الآية 128).

ووعدهم بالنجاة من الشدائد والرزق الحلال، فقال:
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ (سورة الطلاق: الآيتان 2، 3).

ووعدهم بإصلاح العمل وغفران الذنوب، فقال:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ (سورة الأحزاب: الآيتان 70، 71).

ووعدهم بنور يمشون به، فقال:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ (سورة الحديد: الآية 28).

ووعدهم بمحبته، فقال:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ (سورة التوبة: الآية 4).

ووعدهم بالإكرام، فقال:
﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ (سورة الحجرات: الآية 13).

ووعدهم بالبشرى في الدنيا والآخرة، فقال:
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ (سورة يونس: الآيتان 63، 64).

ووعدهم بالنجاة من النار، فقال:
﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا ﴾ (سورة مريم: الآية 72).

ووعدهم بالخلود في الجنة، فقال:
﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ (سورة آل عمران: الآية 133).

وهم كما تحدث الله -سبحانه وتعالى- عنهم بعد ذلك، بقوله:
﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ (سورة آل عمران: الآيات 134 - 136).

فكن منهم حتى تفوز معهم بكل هذه الامتيازات العظيمة
ولا تمش إلا مع رجال قلوبهم تحن إلى التقوى وترتاح للذكر.










 
قديم 2010-12-25, 20:19 رقم المشاركة : 7

Thread Dot 16


التواضع




من أفضل أعمال القلوب وأرفعها مقاما التواضع لله تعالى والتواضع للخلق.
والتواضع هو التذلل وخفض الجانب ولينه.

قال الرّاغب في مفرداته: الوضع أعمّ من الحطّ ومنه الموضع قال تعالى:
﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ﴾ (سورة النساء آية: 46)، وقد يستعمل هذا في الإيجاد والخلق كما في قوله سبحانه: ﴿ وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ ﴾ (سورة الرحمن آية: 10)، ويقال: رجل وضيع بيّن الضّعة في مقابل: رفيع بيّن الرّفعة، وقال في الصّحاح: «ووضع الرّجل (بالضم) يوضع ضعة وضعة أي صار وضيعا، ووضع منه فلان أي حطّ من درجته والتّواضع التّذلّل، والاتّضاع أن تخفض رأس البعير لتضع قدمك على عنقه فتركب قال الكميت:

إذا اتّضعونا كارهين لبيعة
أناخوا لأخرى والأزمّة تجذب

ورجل موضّع أي مطّرح ليس بمستحكم الخلق. وهناك فرق بين التواضع والمهانة؛ فالتّواضع يتولّد من بين العلم باللّه سبحانه ومعرفة أسمائه وصفاته ونعوت جلاله وتعظيمه ومحبّته وإجلاله، ومن معرفته بنفسه وتفاصيلها وعيوب عملها وآفاتها، فيتولّد من ذلك كلّه خلق هو التّواضع وهو انكسار القلب للّه وخفض جناح الذّلّ والرّحمة لعباده، فلا يرى له على أحد فضلا، ولا يرى له عند أحد حقًّا، بل يرى الفضل للناس عليه والحقوق لهم قبله، وهذا خلق إنّما يعطيه اللّه -عزّ وجلّ- من يحبّه ويكرّمه ويقرّبه.

وأمّا المهانة فهي الدّناءة والخسّة وبذل النّفس أو ابتذالها في نيل حظوظها وشهواتها، كتواضع السّفلة في نيل شهواتهم، وتواضع طالب كلّ حظّ لمن يرجو نيل حظّه منه، فهذا كلّه ضعة لا تواضع، واللّه سبحانه يحبّ التّواضع ويبغض الضّعة والمهانة.

وقد وردت أدلة من الكتاب والسنة حاثة على التواضع ومثنية على المتواضعين؛ فمن ذلك أمر الله تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم- بأن يتواضع لأصحابه؛ فقال تعالى:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ ( سورة اَل عمران اَية 159 ).

وقال تعالى عن بعض صفات المؤمنين:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾.(سورة المائدة اَية 54 ).

وروى مسلم في صحيحه عن عياض بن حمار المجاشعيّ - رضي اللّه عنه -: أنّ رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال ذات يوم في خطبته:
(ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني، يومي هذا...) الحديث، وفيه: (وإنّ اللّه أوحى إليّ أن تواضعوا حتّى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد).

وروى مسلم أيضا عن أبي هريرة - رضي اللّه عنه - عن رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال:
(ما نقصت صدقة من مال؛ وما زاد اللّه عبدا بعفو إلّا عزّا، وما تواضع أحد للّه إلّا رفعه اللّه).

سئل الحسن البصريّ عن التّواضع؟ فقال: «التّواضع أن تخرج من منزلك ولا تلقى مسلما إلّا رأيت له عليك فضلا».

وقال عبد اللّه بن المبارك -رحمه اللّه-: «رأس التّواضع أن تضع نفسك عند من دونك في نعمة الدّنيا حتّى تعلمه أنّه ليس لك بدنياك عليه فضل، وأن ترفع نفسك عمّن هو فوقك في الدّنيا حتّى تعلمه أنّه ليس له بدنياه عليك فضل».

وسئل الفضيل بن عياض - رحمه اللّه - عن التّواضع؟ فقال: «يخضع للحقّ، وينقاد له ويقبله ممّن قاله، ولو سمعه من صبيّ قبله، ولو سمعه من أجهل النّاس قبله».









 
قديم 2010-12-25, 20:27 رقم المشاركة : 8

Thread Dot 16


الإحسان




من أجلٌ أعمال القلوب وأهمٌها وأرفعها مرتبة الإحسان.

وقد فسّر النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- عند ما سأله جبريل: ما الإحسان؟ فقال:
﴿ الإحسان أن تعبد اللّه كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك ﴾.

أمّا إذا ورد «الإحسان» مطلقا فإنّ المراد به فعل ما هو حسن، والحسن وصف مشتقّ من الحسن الّذي يراد به: «ما يكون متعلّق المدح في العاجل والثّواب في الآجل».

وقال الرّاغب: الإحسان: فعل ما ينبغي فعله من المعروف، وهو ضربان:

أحدهما: الإنعام على الغير.

والثّاني: الإحسان في فعله وذلك إذا علم علما محمودا، وعمل عملا حسنا، ومنه قول عليّ -رضي اللّه عنه-: النّاس أبناء ما يحسنون. أي منسوبون إلى ما يعلمون ويعملون.

وقد أمر الله تعالى بالإحسان حيث قال:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾ (سورة النحل آية: 90). وعظّم اللّه ثواب أهل الإحسان، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (سورة البقرة آية: 195). وقال عزّ وجلّ: ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ (سورة الرحمن آية: 60) أي ما جزاء من أحسن في الدّنيا إلّا أن يحسن إليه في الآخرة.

والفرق بين الإحسان والإنعام أنّ الإحسان يكون لنفس الإنسان ولغيره. تقول: أحسنت إلى نفسي، والإنعام لا يكون إلّا لغيره.

قال العلامة ابن القيم -رحمه الله-:

وهي لب الإيمان وروحه وكماله وهذه المنزلة تجمع جميع المنازل فجميعها منطوية فيها وكل ما قيل من أول الكتاب إلى ههنا فهو من الإحسان.









 
قديم 2010-12-25, 21:10 رقم المشاركة : 9

Thread Dot 16


التضرع




من أهم أعمال القلوب التي أكد عليها الشارع الحكيم التضرع إلى الله تعالى؛ وصدق اللجأ إليه.
والتضرع هو التّذلّل والمبالغة في السّؤال والرّغبة، وقد أمر الله -تعالى- بالتضرع إليه حيث قال تعالى:
﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ (سورة الأعراف آية: 55).

وقال تعالى:
﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ﴾ (سورة الأعراف آية: 205).

وبين تعالى أن عدم التضرع إليه سبب للأخذ بالعذاب والنكال في الدنيا قبل الآخرة كما قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ (سورة الأنعام، الآيات: 42-45).

وروى الإمام الترمذي وغيره عن الفضل بن عبّاس -رضي اللّه عنهما- أنّه قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: ( الصَّلَاةُ مَثْنَى مَثْنَى تَشَهَّدُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَتَخَشَّعُ وَتَضَرَّعُ وَتَمَسْكَنُ وَتَذَرَّعُ وَتُقْنِعُ يَدَيْكَ يَقُولُ تَرْفَعُهُمَا إِلَى رَبِّكَ مُسْتَقْبِلًا بِبُطُونِهِمَا وَجْهَكَ وَتَقُولُ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَهُوَ كَذَا وَكَذَا ).

وروى أيضا عن ابن عبّاس -رضي اللّه عنهما- أنّه قال:
( إنّ رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- خرج متبذّلا متواضعا متضرّعا، حتّى أتى المصلّى، فلم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدّعاء والتّضرّع والتّكبير وصلّى ركعتين كما كان يصلّي في العيد ).

قال العلامة ابن القيم -رحمه الله- في الوابل الصيب:

فإذا أراد الله بعبده خيرا فتح له من أبواب (التوبة) والندم والانكسار والذل والافتقار والاستعانة به وصدق اللجأ إليه ودوام التضرع والدعاء والتقرب إليه بما أمكن من الحسنات ما تكون تلك السيئة به رحمته حتى يقول عدو الله: يا ليتني تركته ولم أوقعه.

وهذا معنى قول بعض السلف: إن العبد ليعمل الذنب يدخل به الجنة ويعمل الحسنة يدخل بها النار قالوا: كيف؟ قال: يعمل الذنب فلا يزال نصب عينيه منه مشفقا وجلا باكيا نادما مستحيا من ربه تعالى ناكس الرأس بين يديه منكسر القلب له فيكون ذلك الذنب أنفع له من طاعات كثيرة بما ترتب عليه من هذه الأمور التي بها سعادة العبد وفلاحه حتى يكون ذلك الذنب سبب دخوله الجنة، ويفعل الحسنة فلا يزال يمن بها على ربه ويتكبر بها ويرى نفسه ويعجب بها ويستطيل بها ويقول: فعلت وفعلت، فيورثه من العجب والكبر والفخر والاستطالة ما يكون سبب هلاكه.









 
قديم 2010-12-25, 21:26 رقم المشاركة : 10

Thread Dot 16


الحيــاء




من أجل الأعمال المتعلقة بعمل القلب الحياء من الله تعالى.

والحياء مصدر حيي الّتي تدلّ على الاستحياء الّذي هو ضدّ الوقاحة، قال أبو زيد يقال: حييت منه أحيا إذا استحييت، وقال ابن منظور: الحياء: التّوبة والحشمة، يقال: حيي منه حياء، واستحيا، واستحى حذفوا الياء الأخيرة كراهية التقاء الياءين، و(الصّيغتان) الأخيرتان تتعدّيان بحرف وبغير حرف، يقولون: استحيا منك واستحياك واستحى منك واستحاك، والحياء يكون بمعنى الاستحياء.

أما الحياء فقد عُرف من جهة العبد بأنه: تغيّر وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به.
وقيل هو: خلق يبعث على ترك القبح ويمنع من التّقصير في حقّ ذي الحق.

وقد ورد في الشرع الأمر بالحياء في نصوص كثيرة مما يدل على أهميته ومكانته.
من ذلك قوله تعالى:
﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (سورة القصص آية: 25) ، وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ﴾ ( سورة الأحزاب اية 53 ).

وروى الترمذي وغيره عن عبد اللّه بن مسعود -رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-:
( استحيوا من اللّه حقّ الحياء، قال: قلنا: يا رسول اللّه، إنّا نستحيي والحمد للّه، قال: ليس ذاك، ولكنّ الاستحياء من اللّه حقّ الحياء: أن تحفظ الرّأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدّنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من اللّه حقّ الحياء ).

وروى البخاري في صحيحه عن أبي مسعود البدريّ -رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-:
( إنّ ممّا أدرك النّاس من كلام النّبوّة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت ).

وروى البخاري أيضا في صحيحه عن أبي هريرة -رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-:
( الإيمان بضع وسبعون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان ).

وروى الترمذي وغيره عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه -رضي اللّه عنه- قال:
( قلت: يا رسول اللّه، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: احفظ عورتك إلّا من زوجتك أو ما ملكت يمينك، فقال: الرّجل يكون مع الرّجل؟ قال: إن استطعت أن لا يراها أحد فافعل، قلت: والرّجل يكون خاليا، قال: فاللّه أحقّ أن يستحيا منه ).

وروى البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدريّ -رضي اللّه عنه- قال:
( كان رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- أشدّ حياء من العذراء في خدرها ).

قال الإمام ابن القيّم -رحمه اللّه تعالى-: وخلق الحياء من أفضل الأخلاق وأجلّها وأعظمها قدرا وأكثرها نفعا، بل هو خاصّة الإنسانيّة، فمن لا حياء فيه ليس معه من الإنسانيّة إلّا اللّحم والدّم وصورتهما الظّاهرة، كما أنّه ليس معه من الخير شيء، ولولا هذا الخلق لم يقر الضّيف، ولم يوف بالوعد، ولم تؤدّ أمانة، ولم تقض لأحد حاجة، ولا تحرّى الرّجل الجميل فآثره، والقبيح فتجنّبه، ولا ستر له عورة، ولا امتنع من فاحشة.

وكثير من النّاس لولا الحياء الّذي فيه لم يؤدّ شيئا من الأمور المفترضة عليه، ولم يرع لمخلوق حقّا، ولم يصل له رحما، ولا برّ له والدا؛ فإنّ الباعث على هذه الأفعال إمّا دينيّ، وهو رجاء عاقبتها الحميدة، وإمّا دنيويّ علويّ، وهو حياء فاعلها من الخلق. فقد تبيّن أنّه لولا الحياء إمّا من الخالق أو من الخلائق لم يفعلها صاحبها.

ثمّ قال -رحمه اللّه-: إنّ للإنسان آمرين وزاجرين، آمر وزاجر من جهة الحياء، فإذا أطاعه امتنع من فعل كلّ ما يشتهي، وله آمر وزاجر من جهة الهوى والطّبيعة، فمن لم يطع آمر الحياء وزاجره، أطاع آمر الهوى والشّهوة ولا بدّ.









 
قديم 2010-12-25, 21:54 رقم المشاركة : 11

Thread Dot 16


إنما الأعمال بالنيات




عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه).

منزلة الحديث:
هذا الحديث من جوامع كلمه -صلى الله عليه وسلم- قال الشوكاني: هذا الحديث قاعدة من قواعد الإسلام حتى قيل إنه ثلث العلم، ومن تعظيم العلماء لهذا الحديث رأوا البداءة به في مصنفاتهم وذلك تنبيها لطالب العلم إلى تصحيح نيته، قال عبد الرحمن المهدي: {من أراد أن يصنف كتابا فليبدأ بهذا الحديث}، عمل بهذه النصيحة البخاري -رحمه الله- بدأ به في صحيحه، وكذلك تقي الدين المقدسي في كتابه عمدة الأحكام، والسيوطي في جامعه الصغير، والنووي في المجموع، وقال أبو عبيد: (ليس في الأحاديث أجمع ولا أغنى ولا أنفع ولا أكثر فائدة منه).

هل الحديث سيق بسبب مهاجر أم قيس؟
عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: من هاجر يبتغي شيئا فإنما له ذلك، هاجر رجل ليتزوج امرأة يقال لها: أم قيس، فكان يقال له: مهاجر أم قيس، وفائدة معرفة سبب صدور الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم- مُعينٌ على فهمه.

معنى الحديث:
قوله -صلى الله عليه وسلم-:
(إنما الأعمال بالنيات) هذا التركيب يفيد الحصر ومعنى الحصر فيه: إثبات الحكم في المذكور، ونفيه عما عداه، هنا لا بد من تقدير المضاف المحذوف، واختلف في تقديره، ويحتمل أن يكون التقدير في قوله "الأعمال بالنيات": صالحة أو فاسدة أو مقبولة ومردودة أو مثاب عليها أو غير مثاب عليها، (بالنيات): فيكون خبرا عن الحكم الشرعي، وهو أن صلاحها وفسادها بحسب صلاح النية وفسادها، كقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إنما الأعمال بالخواتيم) أي: إن صلاحها وفسادها وقبولها وعدمها بحسب الخاتمة.

وقوله -صلى الله عليه وسلم-:
(وإنما لكل امرئ ما نوى) إخبار أنه لا يحصل له من عمله إلا ما نواه به، فإن نوى خيرا حصل له خير، وإن نوى به شرا حصل له الشر، وليس هذا تكريرا محضا للجملة الأولى، فإن الجملة الأولى دلت على أن صلاح العمل وفساده بحسب النية المقتضية لإيجاده، والجملة الثانية دلت على أن ثواب العامل على عمله بحسب نيته الصالحة، وأن عقابه عليه بحسب نيته الفاسدة، وقد تكون نيته مباحة فيكون العمل مباحا، فلا يحصل له ثواب ولا عقاب، فالعمل في نفسه صلاحه وفساده وإباحته بحسب النية الحاملة عليه المقتضية لوجوده، وثواب العامل وعقابه وسلامته بحسب النية التي صار بها العمل صالحا أو فاسدا أو مباحا.

وهنا سؤال يطرح نفسه ما هي النية، وما هو عملها، وأين محلها، وما حكم التلفظ بها؟
النية لغة هي: القصد، لذلك يقولون: نوى الشيء ينويه نية. وانتواه: قصده ونوى المنزل، وانتواه، ويقولون: نواك الله بالخير قصدك به.

في الشرع: لم يضع الشرع للنية تعريفا خاصا بها، لذلك ذهب جمع من العلماء إلى تعريفها بمدلولها اللغوي منهم النووي -رحمه الله- قال: النية هي القصد إلى الشيء والعزيمة على فعلها، ومنهم القرافي قال -رحمه الله-: هي قصد الإنسان بقلبه ما يريده بفعله.

عملها كما ذكرها العلماء يقع في معنيين:

1. تمييز العبادات بعضها عن بعض كتمييز صلاة الظهر عن صلاة العصر مثلا، أو تمييز العبادات عن العادات كتمييز الغسل من الجنابة من غسل التبرد والتنظيف ونحو ذلك، وهذه النية هي التي توجد كثيرا في كلام الفقهاء في كتبهم.

2. تمييز المقصود بالعمل، هل هو لله تعالى أم لله وغيره، وهذه النية التي يتكلم فيها العارفون في كتبهم في كلامهم على الإخلاص وتوابعه، وهي توجد كثيرا في كلام السلف المتقدمين، وقد صنف أبو بكر بن أبي الدنيا مصنفا سماه: كتاب {الإخلاص والنية}.

محلها: محل النية القلب، وحكم التلفظ بها بدعة منكرة، لأنه لم يثبت في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يدل على مشروعيتها، ومما هو معلوم أن الأصل في العبادات التحريم، ولا تثبت العبادة إلا بنص.

قوله -صلى الله عليه وسلم-: (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ) لمّا ذكر -صلى الله عليه وسلم- أن الأعمال بالنيات، وأن حظ العامل من عمله نيته من خير وشر، هاتان كلمتان جامعتان وقاعدتان كليتان لا يخرج عنهما شيء، ذكر بعد ذلك مثلا من الأمثال والأعمال التي صورتها واحدة ويختلف صلاحها وفسادها باختلاف النيات، وكأنه يقول: سائر الأعمال على حذو هذا المثال، وأصل الهجرة هُجران بلد الشرك والانتقال منه إلى دار الإسلام، كما كان المهاجرون قبل فتح مكة يهاجرون منها إلى مدينة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فحكم الهجرة واجبة من أرض الكفار إلى ديار الإسلام على المسلم الذي لا يتمكن من إظهار دينه، وهذا الحكم باق وغير مقيد؛ وأما خبر: (لا هجرة بعد الفتح) فالمقصود: لا هجرة من مكة بعد فتحها، لأنها صارت دار الإسلام.

تطلق الهجرة: على هجر ما نهى الله عنه فـ: )المهاجر من هجر ما نهى الله عنه (، وهجر المسلم أخاه فوق ثلاث، وهجر المرأة فراش زوجها، وقد يجب على المسلم أن يهجر أخاه المسلم العاصي.

أثر النية الصالحة على المباحات:

يعرف علماء الأصول المباح بالآتي: (هو الذي لا يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، ويكون فعله وتركه سيان)، ولكن المباح إذا خالطته النية الصالحة، يكون بذلك قربة ويثاب فاعله على ذلك، فمن أكل أو شرب ونوى التقوي على طاعة الله ورسوله، يثاب على هذه النية وكذلك من نوى بكسبه كف وجهه عن المسألة، والإنفاق على عياله وهكذا.
ومن فوائد الحديث: أن النية من الإيمان، لأنها عمل القلب، والإيمان عند أهل السنة والجماعة تصديق بالجنان، ونطق باللسان وعمل بالأركان، لذلك ساق الإمام البخاري هذا الحديث في كتاب الإيمان.

ويجب على المسلم قبل القدوم على العمل أن يعرف حكمه، هل هو مشروع أم لا، هل هو واجب أم مستحب، لأن في الحديث العمل يكون منتفيا إذا خلا من النية المشروعة فيه.

كل عمل نافع وخيّر يصبح بالنية والإخلاص وابتغاء رضاء الله تعالى عبادة.







 
قديم 2011-01-07, 22:11 رقم المشاركة : 12

Thread Dot 16


الصبر




من أعمال القلوب العظيمة التي علق بها فلاح العبد في الدنيا والآخرة عمل الصبر؛ فالصبر له منزلة عالية بين أعمال القلوب، وكيف لا يكون ذلك وله تلك المنزلة والنصوص الشرعية من الكتاب والسنة حافلة بذكر الصبر والثناء على الصابرين، وجزاءهم الجزاء الأوفى في الآخرة والأولى.

والصبر قد ذكر في القرآن بأكثر من تسعين موضعاً، مما يدل منزلة الصبر في الإسلام ومكانته السامية.

وقيل في تعريف الصبر: هو حبس النّفس عن الجزع والتّسخّط، وحبس اللّسان عن الشّكوى، وحبس الجوارح عن التّشويش.

وقد قسمه بعض الأئمة إلى ثلاثة أقسام:

صبر على طاعة الله تعالى.
وصبر عن معصية الله تعالى.
وصبر على أقدار الله تعالى.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ الصَّبْرَ فِي كِتَابِهِ فِي أَكْثَرَ مِنْ تِسْعِينَ مَوْضِعًا وَقَرَنَهُ بِالصَّلَاةِ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ ﴿اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ وَقَوْلِهِ: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إلَى قَوْلِهِ ﴿وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ ﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ﴾ ﴿ فَاصْبِرْ إنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ الْآيَةَ وَجَعَلَ " الْإِمَامَةَ فِي الدِّينِ " مَوْرُوثَةً عَنْ الصَّبْرِ وَالْيَقِينِ بِقَوْلِهِ: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ فَإِنَّ الدِّينَ كُلَّهُ عِلْمٌ بِالْحَقِّ وَعَمَلٌ بِهِ وَالْعَمَلُ بِهِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الصَّبْرِ بَلْ وَطَلَبُ عِلْمِهِ يَحْتَاجُ إلَى الصَّبْرِ كَمَا قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ فَإِنَّ طَلَبَهُ لِلَّهِ عِبَادَةٌ وَمَعْرِفَتَهُ خَشْيَةٌ وَالْبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ وَتَعْلِيمَهُ لِمَنْ لَا يَعْلَمُهُ صَدَقَةٌ؛ وَمُذَاكَرَتَهُ تَسْبِيحٌ. بِهِ يُعْرَفُ اللَّهُ وَيُعْبَدُ وَبِهِ يُمَجَّدُ اللَّهُ وَيُوَحَّدُ يَرْفَعُ اللَّهُ بِالْعِلْمِ أَقْوَامًا يَجْعَلُهُمْ لِلنَّاسِ قَادَةً وَأَئِمَّةً يَهْتَدُونَ بِهِمْ وَيَنْتَهُونَ إلَى رَأْيِهِمْ. فَجَعَلَ الْبَحْثَ عَنْ الْعِلْمِ مِنْ الْجِهَادِ وَلَا بُدَّ فِي الْجِهَادِ مِنْ الصَّبْرِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَالْعَصْرِ ﴾ ﴿ إنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾ ﴿ إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ فَالْعِلْمُ النَّافِعُ هُوَ أَصْلُ الْهُدَى وَالْعَمَلُ بِالْحَقِّ هُوَ الرَّشَادُ وَضِدُّ الْأَوَّلِ الضَّلَالُ وَضِدُّ الثَّانِي الْغَيُّ فَالضَّلَالُ الْعَمَلُ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَالْغَيُّ اتِّبَاعُ الْهَوَى. قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَالنَّجْمِ إذَا هَوَى ﴾ ﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى فَلَا يُنَالُ الْهُدَى إلَّا بِالْعِلْمِ وَلَا يُنَالُ الرَّشَادُ إلَّا بِالصَّبْرِ؛ وَلِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ: "أَلَا إنَّ الصَّبْرَ مِنْ الْإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنْ الْجَسَدِ - فَإِذَا انْقَطَعَ الرَّأْسُ بَانَ الْجَسَدُ - ثُمَّ رَفَعَ صَوْتَهُ فَقَالَ أَلَا لَا إيمَانَ لِمَنْ لَا صَبْرَ لَهُ".










 
موضوع مغلق



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 10:54


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة 2010-2023 © منتديات جوهرة سوفت