منتديات جوهرة سوفت - Jawhara-Soft Forums منتديات جوهرة سوفت - Jawhara-Soft Forums

العودة   منتدى التعليم التونسي (Jawhara-Soft) > التعليم و الثقافة > خواطر و مقالات أدبيّة
خواطر و مقالات أدبيّة بخفق الورق و رحابة الحرف نرتقي إلى أكوان الرحابة .. قصة ، شعر ، فلسفة ، خواطر و مقالات أدبيّة


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2010-11-14, 23:25 رقم المشاركة : 1



Icon1 الإبداع والمبدعون




الإبداع والمبدعون




الابداع والمبدعون ...

الإبداع كما يراه بعض الناس موهبة وحرية وعبقرية ، وهو مطلب حضاري جوهري لجميع الأمم . وهو ليس ترفاً بل ضرورة من ضرورات البناء ، ومقياس من مقاييس تطور الأمم ، ودليل على التقدم الحضاري . وهو الدافع لأي تقدم علمي أو فكري أو فني .
والمبدعون هم ثروة الأمة التي لا يمكن الاستغناء عنها ، وهم الشموس التي تضيء غياهب التخلـُّف ، وعقولهم تخترق حواجز التقليد ، وتبحر صَوْب المجهول . ومن ثم فبقدر ما تنجح أمة في الكشف عن الطاقات الإبداعية لأبنائها والإفادة منها ، تكون أمة متقدمة ومتطورة حضارياً .



وقد تنبه العرب قديماً إلى أهمية الإبداع ، فمنهم من ألف عن الأذكياء لما للذكاء من علاقة وطيدة بالإبداع ، مثل ابن الجوزي وكتابه ( الأذكياء ) . ومنهم من ألف عن الذين تنسب إليهم أوائل الابتكارات والممارسات ، مثل ( الأوائل ) لأبي هلال العسكري ، و ( الوسائل إلى مسامرة الأوائل ) ، وغيرها .

واهتم الحكام والعلماء العرب قديماً بالإبداع ، فظهر كثير من المبدعين العرب في شتى المجالات النظرية والتطبيقية ، أمثال الجاحظ ، والمتنبي ، وابن سينا ، وابن الهيثم ، وابن رشد ، والأئمة الأربعة أصحاب المذاهب الفقهية ، وغيرهم خَلْق كثيرون شيدوا حضارة عربية عالمية زاهرة لا نزال نعيش على ذكراها ، ونقتات بنتاجها، ونزهو أمام الأمم بها.

لكن ما الإبداع ؟

لا شك أن الإبداع عملية معقدة يصعب تعريفها ، ولكن بشيء من التبسط يمكن استخلاص تعريفين للإبداع من الدراسات الحديثة التي دارت حوله ، فالإبداع ابتكار الشيء على غير مثال سابق .

أو هو : إنتاج شيء ما ، على أن يكون هذا الشيء جديداً في صياغته ، وذا تأثير في مجاله ، وإن كانت عناصره موجودة من قبل .



شروط العمل الإبداعي

يتضح من التعريفين السابقين أن أي عمل إبداعي ينبغي أن يتوافر فيه شرطان اثنان :

الأول : أن يكون هذا العمل جديداً مبتكراً بعيداً عن النمطية والتقليد . وهذا لا يعني أن الإبداع ينشأ من فراغ ، فهو يمر في مراحله الأولى بالتقليد ، لكن لا يقتصر عليه ، وبمعنى آخر : إذا كان يُقْبَل من الشخص المبدع أن يقلد غيره في بداية حياته الإبداعية ، فلا يقبل منه - بحال من الأحوال - أن يظل أسيراً لهذا التقليد ، فأي تقليد ، وإن كان تقليداً ناجحاً ، لا يمكن عَدٌّه من باب الإبداع في قليل أو كثير.

والشرط الثاني : أن يحمل هذا العمل الإبداعي جديداً إلى الناس والحياة ، بحيث يُشَكِّل إضافة نوعية حقيقية للمجال الذي ينتمي إليه ، ويؤثر تأثيراً جاداً وواضحاً في البيئة المحيطة ، وإلا كان لغواً لا قيمة له . فالإبداع لابد أن يسهم في تطوير الحياة والمجتمع والناس ، ويخطِّط لمستقبل أفضل ، وهذا هو الدور الحقيقي للمبدعين في مجتمعاتهم في أي زمان ومكان.





ونؤكد في هذا المقام على شخصية المبدع ، إذ المبدع شخص من طراز خاص ، يمتاز عن غيره من البشر بصفات خاصة تجعله جديراً بأن يكون مبدعاً . وأولى هذه الصفات الإحساس المرهف ، ذلك الإحساس الذي يجعله يشعر بما لا يشعر به الآخرون من غير المبدعين ، وينتبه إلى ما لا ينتبه إليه غيره . ويتصف المبدع كذلك بالخيال الواسع ، والذكاء ، والحرية ، بالإضافة إلى ما حباه الله به من موهبة الإبداع .

فالخيال الواسع يمكِّنه من اكتشاف علاقات جديدة بين الأشياء أو العناصر لم تكن موجودة من قبل ، كما يساعده هذا الخيال النشط على تصميم نماذج جديدة ، وصياغة أطر مبتكرة ، ولا يتأتى له ذلك إلا بالذكاء والفطنة . وباختصار المبدع شخص عبقري من طراز خاص .

إن المبدع في الأصل شخص موهوب ، لكنه لابد أن ينمي موهبته ويُصقلها بالتجارب ، وهو في حاجة ماسة إلى حرية حقيقية ، لينفلت من إسار الواقع والتقليد ، ويحلق في آفاق جديدة ، وليبحر صوب المجهول ، ولذا فإن التقاليد الصارمة ، والموروثات النمطية ، والحدود المصطنعة ، والروتين ، كلها مواد سامة تصيب المبدع في مقتل ، وتقضي على إبداعه ، بعد أن تُكبِّله وتسجنه وتشل تفكيره وخياله .

والإبداع - أياً كان فكرياً أو أدبياً أو فنياً - يحتاج إلى عوامل مهيِّـئة تساعد على نموه ، فهو يتطلب تربة خصبة وصحية لتنبت فيها بذوره التي لو لم تجد رعاية وعناية خاصة ، فلن تكتب لها الحياة ، فالمبدع بحاجة إلى أجواء نفسية صحية تتناسب وصفاته الشخصية ، من رهافة الحس ، وسعة الخيال ، والذكاء ، والحرية . فلا يُعْقَل أن يحيا الإبداع في بيئة تسودها العقد النفسية ، والضجيج ، والأمراض النفسية ، ويسيطر عليها الروتين ، والمنافع الشخصية ، والمحسوبيات ، وتسودها الأحقاد .



بقلم :
د. ماهر عباس جلال






  رد مع اقتباس
إضافة رد



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 02:28


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة 2010-2023 © منتديات جوهرة سوفت