محاكمة الحب
الحب في قفص اتهام .... وأنا محامٍ
فبهذه بدأ الكلام...والقول حامٍ
وأنا ...على عكس الذي أحببته...
وظننته..
مترافع عن مجرم لا عن بريء....
ومدافع عن ذلك الحب الذي هاجمته طيل أعوام خلت ...
هاجمته من قبل أن ألقاه...
وشتمته من غير ذنب قد جناه...
ولأنني –بالطبع دون تطبع- أهوى الغريب من الأمور ....
وأذوب عشقاً للتحدي ...فقبلته ....
هذا غباء أم غرور ...
ونويت في قلبي على أمر مريب ...
فالحب يمثل للمحاكمة التي أحببتها ..
وأنا بكل بساطة سأعاقبه ...
وبكل جهدي سوف أعمل كي ينال عقوبة الإعدام.....
فهو الذي قد مزق الأحلام....
ولأنني –بالطبع دون تطبع- أهوى الإثارة في الأمور ....
قررت أني سوف أبدأ بالدفاع عن الموكل...
وأخذت أنسج في خيالي صامتاً نص العريضة والبيان....
ماذا أقول لكي أذيق الحب من كأس الهوان....
حتى أخلص عالمي من شره ...
فأصير رمزا للأمان...
ماذا أقول؟؟؟؟
وهنا سمعت الصوت يصرخ عن يساري "محكمة"!!!
وبسرعة دلف القضاة مبجلين ....
وهناك ضج القوم في صمت حزين...
لا تسألوني كيف ضجوا صامتين....
فأنا وقد وقف الجميع على عجل ...
ما زلت أجدل حبل أفكاري ..وألف حبل المشنقة....
ثم استمعت إلى ممثل الادعاء....
يحكي لنا عن واقعٍ ... لا عن خيال....
ويقول قولاً ليس يخلو من جمال....
فيقول:
" يا سيدي يا قاضياً في المحكمة...
هلا دعوت لنا الشهود....ليخبرونا ما جرى....
أو كيف أودى ذلك فعلاً بالألوف من البشر....
واصطاد منهم بالسهام كما يشاء.... و بالفخاخ و بالحفر....
كي يخبرونا كيف أن الحب يغتال الورى....
وبأنه يلهو ويعبث بالقلوب و بالبصر....
كي يخبرونا عن جنون قد أصاب البعض منه....
قيس وليلى.... جن قيس وانتحر....
كي يخبرونا عن رسائل عاشق اذ ليس تكفيها الرفوف....
كي يخبرونا عن معاناة الألوف ....
هذا حبيب صار يفترش الرصيف ....
هذا أديب قد غدا يخشى الحروف....
هذا شجاع لم يعد بين الصفوف ....
هذي طباع الحب دوما .. سيدي ...
ليست طباع الحب بالشيء الجديد ....
فالحب ساديٌّ ... يعذب من يريد ....
والحب صيادٌ ... يراقب من بعيد ...
والحب طماعٌ ... يسائل دائماً ..هل من مزيد ...
فاحكم بعدل سيدي ....
لا عدل إلا أن يظل الحب في قفص الحديد ...."
وهنا دُعِيتُ لكي أقدم دعوتي ....
فصمت حينا خائفاً من فكرتي ...
هل أنسحب ...
وأكون فعلا خائناً لأمانتي ....
أم هل أدافع – صادقاً – فأقول نص عريضتي ...
أغمضت عيني لحظةً متخيلا وطناً بغير محبة ....
ماذا يكون ...؟!
هل يستقيم الكون من غير الشجون ....؟!
وهناك ادركت الحقيقة أن هذا الحب فضل من لدن ربٍ حنون...
قررت أني سوف أبدأ بالدفاع ...
فأقول :
"يا سيدي يا قاضياً في المحكمة ...
هل سوف تحكم بالهوى ...؟؟
أم سوف تحكم بالبصيرة والبصر ...؟؟
بالطبع إنك سوف تختار البصيرة والبصر ...
هذا لأنك سيدي أحببتها ...!
فبغير حبك للبصيرة كنت تحكم بالهوى أو كنت تحكم بالنظر ...
يا سيدي ....
هلا سألت الأم ترعى طفلها ....
هل ذاك حب أم قضاء أم قدر ...؟؟
هلا سألت مجنداً في خندقٍ في جبهة الحرب الضروس ....
من ذا الذي يدعوك فعلاً للقتال ....؟؟
هذا هو الحب الذي صنع الرجال ....
حب البلاد بقلبه رغم الخطر ...
هلا سألت العاشقين جميعهم ....
أالحب يجعلكم حيارى ...؟؟
أم هو الحقد الذي هد البشر ...؟؟
يا سيدي ...
أنا شاعر كتب القصائد في الهجاء وفي الغزل ....
قد قلت يوما أن هذا الحب سهم طائش ...
وبأنه دوماً يبخر ما تبقى من أمل...
يا سيدي...
قد قلت أن الحب دوما خادع ...
وبأنه نار ستحرق من سأل ....
لكنني يا سيدي مازلت أعلم أن هذا الحب خير منتظر...
فأنا ورغم كل قصائدي .... حين انتقدت الحب فيها لم أكن أعمى البصر.....
يا سيدي أنا لن أقول بأن هذا الحب قلب أبيض ...
أو أنه طفل بريء يبتسم ...
لكنه ليس الوحيد المتهم ...
هلا اتهمت الحقد أيضا يا ممثل الادعاء ....
والشح والبغضاء والطبع الدنيء وكل رمز للغباء...
حتى المصالح والجمال وكل حسن أو ضياء ....
فإذا أدنت الكون كله ...
وحرمتنا من أي ظله ...
أنى يكون لنا البقاء ....
أنى يكون لنا البقاء..." رفعت الجلسة للمداولة...............