الدليل الثانى
روى الإمام أحمد فى "مسنده" وأبو داود فى "سننه" من حديث مطر بن عبد الرحمن الأعنق قال: حدثتنى أم أبان الوازع بن زراع بن عامر العبدى عن أبيها أن جدها الزارع انطلق الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ابن مجنون قال جدى: فلما قدمنا على رسول الله قلت: إن معى ابن لى مجنونا، أتيتك به تدعوا له، قال: " آتنى به" قال: فانطلقت به إليه وهو فى الركاب، فأطلقت عنه وألقيت عنه ثياب السفر والبسته ثوبين جديدين، وأخذت بيده حتى انتهيت به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" أدنه منى واجعل ظهره مما يلينى"فأخذ النبى بمجامع ثوبه من أعلاه وأسفله، فجعل يضرب ظهره حتى رأيت بياض إبطيه ويقول:"أخرج عدو الله،أخرج عدو الله" رواه أحمد وأبو داود
فائدة: ففى هذا الحديث دلاله صريحه على جواز ضرب الجن الصارع للإنسى لدفع عدوانه والضرب ليس ضربا مميتا، حيث أن النبى صلى الله عليه وسلم أخذ يضرب الجنى وهو يقول له أخرج عدو الله ولكن وضع أهل العلم منهم سماحة الشيخ العلامه بن باز ضوابط للضرب منها عدم الإضرار بالشخص نفسه، وهذا يحتاج خبره من المعالج بالقرآن حيث أن كثير من حالات المس والسحر يكون الجن الجن فيها حاضرا على الشخص حضورا" جزئيا (بمعنى أن الإنسى يشعر بما يحدث ولكن لا يستطيع السيطره على تصرفاته أوالكلام )، أو يكون الجن حاضرا حضورا" كليا ولكن يهرب عند الضرب "الجن الطيار"؟، والله سبحانه أعلى وأعلم.
الدليل الثالث
عن أبى هريره رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:"إن عفريتا من الجن تفلت على البارحه، ليقطع على الصلاة فأمكننى الله منه فذعته، وأردت أن أربطه الى ساريه من سوارى المسجد حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم، فذكرت قول أخى سليمان (رب اغفرلى وهب لى ملكا لا ينبغى لأحد من بعدى)، فرده الله خاسئا" رواه أحمد والنسائى بسند صحيح رقم 2111 صحيح الجامع
معنى (فذعته): أى خنقته.
قال شيخ الإسلام بن تيميه: (وهذا دليل على جواز خنق الجنى الصائل المعتدى لدفع عدوانه).مجموع فتاوى شيخ الإسلام المجلد19/ص51
ولو قال أن النبى صلى الله عليه وسلم عندما خنق الجنى (العفريت) كان الجنى ليس فى جسم إنسان.
قلنا الأصل هو دفع عدوان الجن الصائل المعتدى، سواء كان بخنقه (ليس خنقا يؤدى إلى هلاك المريض)، أو ضربه، سواء كان داخل الجسم، ام خارجه بشرط عدم وجود مانع شرعى.
الدليل الرابع
عن أم الدرداء رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى خلق الداء والدواء فتداووا ولا تداووا بحرام". رواه الطبرى(صحيح) حديث رقم 1762 فى صحيح الجامع
وقد ذكر أهل العلم أن الرقيه هى من باب الطب والتداوى وليست من باب العبادات وذلك للأحاديث سالفة الذكر، وعلاج المسحور أو الممسوس عن طريق ضرب وخنق الجن الصارع المعتدى ليس بحرام ما دام يسلك معهم مسلك العدل، كما قال شيخ الإسلام بن تيميه: (وذلك بأن يأمر الجن المعتدى بالمعروف أولا وينهاه عن المنكر فإن أبى جاز قتله) مجموع الفتاوى المجلد19/53
الدليل الخامس
قال شيخ الإسلام الإمام بن تيميه رحمه الله: (ولهذا قد يحتاج فى إبراء المصروع ودفع الجن عنه الى الضرب، فيضرب ضربا كثيرا جدا"، والضرب إنما يقع على الجنى ولا يحس به المصروع).مجموع الفتاوى المجلد 19/60
وقد ذكر أيضا شيخ الإسلام فى نفس المجلد صفحه رقم 56 فقال: (والصائل المعتدى يستحق دفعه، سواء كان مسلما أو كافرا، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: "من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد"، فإذا كان المظلوم له أن يدفع عن ماله الظلوم ولو بقتل الصائل المعتدى فكيف لا يدفع عن عقله وبدنه وحرمته! فإن الشيطان يفسد عقله ويعاقبه فى بدنه، وقد يفعل معه فاحشة إنسى بإنسى، وإن لم يندفع إلا بالقتل جاز قتله).
وهذا دليل واضح على جواز ضرب الجنى المعتدى على بدن الإنسى لدفع عدوانه.
وقتل الجن إنما يكون عن طريق خنقه أو ضربه دون إيذاء المريض، وذلك فى حالة حضور الجنى على الشخص حضورا كليا كما هو معلوم عند بعض المعالجين بالقرآن المسددين بإذن الله وليس بقتل الإنسى بسكين أو نحو ذلك.
الدليل السادس
قال الإمام بن القيم رحمه الله: (وشاهدت شيخنا -يقصد شيخ الإسلام بن تيميه- يرسل الى المصروع من يخاطب الروح الذى فيه –يقصد الجن المتلبس بالشخص- ويقول قال لك الشيخ أخرجى فإن هذا لا يحل لك، فيفيق المصروع وربما خاطبها بنفسه، وربما كانت الروح مارده فيخرجها بالضرب، فيفيق المصروع ولا يحس بألم، وقد شاهدنا نحن وغيرنا منه ذلك مرارا، وكان كثير ما يقرأ فى أذن المصروع "أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون"، وحدثنى أنه قرأها مره فى أذن مصروع، فقالت الروح نعم، ومد بها بصوته، قال أخذت له عصا وضربته بها وفى أثناء الضرب قالت أنا أحبه فقلت لها هو لا يحبك، قالت أنا أريد أن أحج معه فقلت لها هو لا يريد أن يحج معك، قالت أنا أدعه كرامة لك قال قلت لا ولكن طاعه لله ولرسوله، فقالت فأنا أخرج منه، قال فقعد المصروع يلتفت يمينا وشمالا، وقال ما جاء بى الى حضرة الشيخ!! قالوا وهذا الضرب كله! قال وعلى أى شئ يضربنى ولم أذنب؟!).الطب النبوى ص106:107
فائدة: وكلام الإمام بن القيم فيه دلاله صريحه على جواز ضرب الجنى الصارع لإخراجه من بدن الإنسى، لرفع الظلم عن المظلوم سواء كان بقراءة القرآن أو الضرب أو المسك أو غيره بشرطين أساسيين ألا وهما ثبوت النفع وعدم المانع الشرعى، وعدم أذى المصروع والله تعالى أعلى وأعلم.
الدليل السابع
قال الإمام بن مفلح رحمه الله فى كتابه(الفروع) : (كان شيخنا –يقصد شيخ الإسلام بن تيميه- أذا أتى بالمصروع، وعظ من صرعه، وأمره ونهاه، فإن أنتهى أخذ عليه العهد أن لا يعود، وإن لم يأتمر ولم ينته ولم يفارق، ضربه حتى يفارقه، والضرب فى الظاهر على المصروع، وإنما هو فى الحقيقه يقع على من صرعه).
فائدة: وكلام الإمام بن مفلح رحمه الله فيه دلاله واضحه وصريحه على جواز ضرب الجنى لإخراجه من بدن المصروع، فالأصل هو دفع عدوان الجن الصائل المعتدى سواء كان بالضرب أو الخنق أو قراءه القرآن أو المسك.....الخ.
الدليل الثامن
إخراج الجن من بدن المصروع هو أمر جهادى وليس أمر تعبدى، والدليل على ذلك قول النبى صلى الله عليه وسلم فى أحاديث كثره "أخرج عدو الله"، وقال شيخ الإسلام عن إخراج الجن من بدن المصروع (وهذا من أعظم الجهاد).مجموع فتاوى شيخ الإسلام-المجلد19/53
والأصل فى الجهاد قوله تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم)الأنفال60، فمتى ثبت لنا أى شئ يقهر الجن والشياطين المعتدين الظالمين ويحرقهم نفعله، وذلك من أجل رفع الظلم عن المظلوم والتنفيس عن المكروب وإغاثة الملهوف ولكن بشرطيين أساسيين كما قال أهل العلم ألا وهما ثبوت النفع وعدم المانع الشرعى.
مثال: ثبت لنا من بعض المعالجين بالتجربه, أن المسك يؤذى الجن ويحرقه، إذا فلا مانع من إستخدامه فى حرق الجن الصارع المعتدى على بدن الإنسى المسلم المظلوم، وذلك لتوافر الشرطين فيه ألا وهما ثبوت النفع بالتجربه وعدم وجود المانع الشرعى.
مثال آخر: هناك بعض المعالجين يحرقون الجنى الصارع عن طريق الكى بالنار فهذه الطريقه مرفوضه، وذلك لأن هناك مانعا شرعيا ألا وهو نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن الكى بالنار، فعن بن عباس راضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (الشفاء فى ثلاثه: شربه عسل، وشرطة محجم، وكيه نار، وأنهى أمتى عن الكى).البخارى5680 ورقم3734 صحيح الجامع
الدليل التاسع
سئل سماحة الشيخ العلامة بن باز(رئيس اللجنه الدائمه للإفتاء) هل يجوز للذى يعالج بالقرآن الكريم أن يضرب ويخنق ويتحدث مع الجن؟
فأجاب سماحته بقوله: هذا قد وقع شئ منه من بعض العلماء السابقين، مثل شيخ الإسلام الإمام بن تيميه فقد يخاطب الجنى, ويخنقه، ويضربه، حتى يخرج.(فتاوى اللجنه الدائمه رقم1515 ص69،فتاوى العلماء فى علاج السحر والمس والعين ص317،فتاوى كبار العلماء الأمه ص134)
الدليل العاشر
سئل فضيلة الشيخ العلامه بن جبرين عن العلاج بالقرآن عن طريق الضرب والخنق؟
فأجابت بقوله: إذا كان القارئ من أهل الصلاح، والعلم، والزهد، والخير, وأخلص فى قراءته، وعرف الآيات والأدعيه، التى تؤثر فى العلاج، وكان المريض من أهل الخير والصلاح، والاستقامه والإيمان، نفع ذلك بإذن الله وتوفيقه، وقد يستعمل القراء بعض الأعمال كالخنق والضرب والكى ودخان النار ونحو ذلك، ولهم تجربة وأعمال يحسنون السير عليها، والله أعلم.القول المعين فى مرتكزات معالجى الصرع والسحر والعين
الدليل الحادى عشر
ومعلوم عند الفقهاء أن إستباط الأدله إنما يكون حسب الترتيب من:-
أولا: القرآن.
ثانيا: السنه النبويه الشريفه.
ثالثا: أقوال الصحابه.
رابعا: أقوال العلماء العاملين بالكتاب والسنه.
فعند الإفتاء فى أى مسأله من المسائل الفقهية، ننظر فى القرآن، فإن لم يكن هناك دليل من القرآن، ننظر فى السنه فإن لم يكن هناك دليل من السنه النبويه الشريفه، ننظر فى أقوال الصحابه الكرام رضوان الله عليهم، فإن لم يكن هناك دليل من أقوال الصحابه نأخذ بأقوال العلماء العاملين بالكتاب والسنه.
فإذا قال قائل أنه لم يكن هناك دليل من السنه على ضرب وخنق الجن المعتدى على بدن المصروع مع أن هذا غير صحيح، قلنا نأخذ بالمرتبه الرابعه وهى أقوال العلماء العاملين بالكتاب والسنه وقد وضحنا بعض أقوال الائمه الأعلام مثل شيخ الإسلام الإمام بن تيميه، والإمام بن القيم، والإمام بن مفلح، وسماحة الشيخ العلامه بن باز والعلامه بن عثيمين، والعلامه بن جبرين، وغيرهم من علماء الأمه الذين أجازوا الخنق والضرب للمعالج بالقرآن.
فكيف يجوز لمن ينسب نفسه الى أهل العلم أن ينكر على هؤلاء الأئمه الأعلام، ويصد عن سبيل الله بغير علم.