من المضحك أن أفكر في البنادق والذخيرة و أنا أنظر إليكِ ، أن أفكر في استخدام الباب ، المكتب ، أو أقرب جدار للاحتماء من كلماتكِ ، وهذا ليس لأنكِ قاسية .. لا ، بل لأن الرجال المجهزين بحبكِ مثلي قساةٌ ولا تغريهم الهدنة أو توقف تبادل إطلاق النار ، لأن كل شيء في حضوركِ يقول نعم ويقول لا ،بنفس الطريقة ، لأن الأحلام التي ترفض الاستسلام للموت تطير بجناحيها تحت سمائك ِ ، لأنّ الذنوب التي لا يمكن إنكارها أو مقاومتها تشبه الضوضاء التي يُحدثها أنين المجروح على أرضكِ ، هناك دائما مبارزة بين صوتي وأصواتهم ، كلماتي وكلماتهم ، أفكاري و أفكارهم ، وما الذي يمكن أن تقدمه كلماتي غير يدٍ بيضاء تلمس وجه الحياة وتعلن استسلامها لكِ ، ربما يعجبكِ أن تفكري فيَّ كرجل قوي لا تنطفيء نيرانه ، لكن أنا أفكر في نفسي كــ(انتايوس) ذاك المصارع الذي لا تُقهر قوته إذا ما لمس الأرض ، وأنا على أرضكِ أكون قادرا على خوض حرب أموت فيها أكثر من اللازم لكني لا أخسرها أبدا ، ما أجمل أن أكون على أرضكِ ، ما أجمل أن أشعر بأن حبكِ هو لحظة نصر أنسجم فيها ولأول مرة مع العالم ، لحظة نصر تنهمر فيها دموعي من الفرحة باستعادة ضحكتي وطريقي الخاص إلى ذاتي ، على أرضكِ أجد الجرأة على التواضع كفعلٍ صامت في مواجهة عدم التحرر من التجارب كلها ، أحب التجوال فيكِ وأنا أتأمل معنى خسران العالم مقابل بيت في عيونكِ ، أحب التجوال فيكِ و أنا مهتم بعدم خيانة الله مع عدم العيش في صورة ناسِكٍ بغيض ، أحب الترحال فيكِ و أنا أتكلم بشكل مناسب عن محبة الجمال ، عن التضحية في اللحظة المناسبة بكل الأسئلة لسماع إجابة واحدة منكِ ، ها هو النهار هناك كوردة بيضاء صغيرة ، ها هو الليل هناك بقلبه المجنون ، ها هي النجوم هناك ليست بعيدة لكنها ترتعش عندما تغمضين جفونك بحركة ساحرة ، الترحال فيكِ يحول السعادة إلى اتفاق من أجل تأجيل العذاب إلى يوم آخر ، شهر آخر ، عام آخر ، وربما عمر آخر ، يجب المضي فيكِ إلى أبعد نقطة من الوجد ، إلى أبعد مكان في نار الرغبة ، إلى هناك ، حيث يسكت العقل وتجلس الأخلاق في ظل شجرة ضعفِ و تعقيدِ الإنسان ، عليَّ أن أقطع طريقي فيكِ وسط نيران معادية لا ترحم ، وسط غيرة معذبة وانجذاب الرجال إليكِ أمر لا يمكن التساهل فيه ، الغفران في هذه الحالة يضعف المعنويات ويشبه الفرار من الصفوف ، يجب أن أتشبث بمكاني فيكِ ، لا أحد يفكر على أرضكِ في: مَن القاتل ومن المقتول ، التفكير في الجريمة أمر تافه بمقارنته مع عدالة أن تكوني أنتِ لي ، مع عظمة أن تكوني معي في الخندق الأخير نتحدث عن مرارة تقبل عذاب الشوق ، عن امتلاكي أنا و أنتِ الحق في تمزيق بعضنا البعض و عن كيف إذا ما حدث هذا سيتحرك العالم من مكانه ولن يعود أبدا إليه ، و ربما نتكلم تحت أزيز رسائل عشاقكِ عن الطريقة التي سيعطس بها العالم وهو يسند ظهره إلى المدفأة التي نشتعل فيها أنا و أنتِ .كل شيء في الحب يشبه الجغرافيا ، الجغرافيا لا تشفي الأرض من جراحها لكنها تصونها من الذوبان والضياع ، الحب هو توجع شخص ما في مكان ما ، إبداع شخص ما من أجل إنسان ما ، هناك مسافات للاشتهاء ، مرتفعات للأمل يخدش الجلد الأملس لليأس ، سهول تمر فيها الكلمات بلا خوف أو قلق ، أنهار تحوِّل الألم عن مجراه القديم إلى حيث يمكن الاستفادة منه ، طراز معماري قام الحب بتعديله بطريقة فريدة ، وأنا أتنقل فيكِ من مكان إلى آخر ، فهمت أهمية العيش بين جدران الحب ، لابد من وجود حدود ، سياج ، جدار عازل بيننا وبين الآخرين ، لابد من وجود باب مكتوب عليه : " هناك ألغام و حراس مسلحون ببنادق سيسعدهم جدا موتك " ، لابد من حماية المياه الإقليمية بشراسة ، الحب لا يعرف الفضاء الحميم والذي يمكن اختراقه في كل لحظة ، في داخل هذه الحدود لا يمكن أن تعتمد على أحد غير نفسك ، في فضاء قلبكِ تجري معركة الحياة بأكملها ، لهذا أحبكِ ، لأنكِ امرأة يجب حرمان الآخرين منها ، أتكلم عنها لتنتشر عدوى حبها فيكم ، لكني سأبعدكم عنها بنفس الكلمات ، الحب مثل الكتابة يجعل السُمّ والترياق شيئاً واحداً ، لن يؤنبني ضميري وأنا أجعل من محاولة المرور بأرضها فألاً سيئاً وشبحاً لآلام لا نهاية لها ، و لن أتعاطف معكم وهي تفجر بنظرتها ناراً لا ضوء فيها في قلبكم ، لن أمنع نفسي من التلذذ بحرقة تنهيدكم ، لن أحرم نفسي من سماع صدى اصطدام دموعكم بأرضها ، لن تكون لديكم كلمة منها ، ولا خصلة شعر ، ولا حتى وعدٌ بنظرة ، وهذا ربما ما سيجعلكم تتخلّون عن الإيمان بالمعجزات ، يجب أن تتفهموا عدم تساهلي في انتزاعها منكم ، و أن هذا التمسك بها ليس بسبب ما أنتظره منها .. لا ، بل لأني أحب أن أسجن نفسي فيها ، أن لا أكف عن التنقل فيها من عاطفة إلى أخرى ، من شعور إلى آخر ، لأني خارج جدرانها أشعر بأني منهكٌ ، ضائعٌ ، وحالتي تشبه الفضيحة ، البقاء في هذا العالم يشبه الموت الخالص ، التنقل في الهيام بها هو الحياة الخالصة ، الهيام بها هو ما يسد ما في الحياة من نقص ، وما يبعد الحزن عن الكلمات ، كلمة منها كافية لتُنسي الكلمات كل المواعظ ، كل الرثاء الخالي من الحماسة للحياة ، بنظرة واحدة منها تعدني الحياة بالمستحيل ، تعدني بأنَّ الموت في أرضها سيكون جذاباً أكثر مما هو مخيف ، لهذا عليكم أن تتوقعوا معركة كارثية ومتوحشة ، معركة لها مذاق شرود الحب ، معركة لا يتم النظر فيها إلى الوراء ، لأن النظر إلى الوراء يجعلك تفكر في العواقب ، كم أحب رغبتها في العيش بيننا نحن الحمقى المُصرِّين على خوض حربها ، نحن المجانين الذين لم تُشوِّههم المعارك ، الذين استبدلوا الصلاة بصفحات الكتب ، الذين تعلموا من الحياة أن الحياة بلا حدود ، و أنْ لا شيء بسيط في الحب ، نحب أن نغطي أرض حبيباتنا بدموعنا ودمائنا ، نقف هناك حيث تتقاطع الكلمات مع الطريق إلى الأوطان ، إلى الليل في عيون الأحباء ، إلى حقول تحرثها سواعد الطيبين وتحصدها جيوبٌ لها عمق الموت ، وبيوت يبنيها عرقٌ لهُ طعم الفجيعة وأغلق بابها على حزنه ، جميل أن أصل فيكِ إلى سهل ناءٍ وقصيّ ، أتقاتل فيه مع كل هؤلاء كي يصبح موتنا فيكِ أغنية لدوران الأرض وتبدل الفصول ، لا شيء مثلك يستحق الموت أو الوقوع في يدِ الأعداء ، لا شيء غير وطن يسقط فيه الظل على نفسه و ويتكلم فيه الرماد بلغة الناس ، أبتسم الآن وأنتِ تعدينني باقتراب اللحظة التي سيتخلّون فيها عن أسلحتهم ويلقون فيها بخوذاتهم ، لأني أسمع صوت الرصاص وهو يؤكد كلامك بقوله آمين..