العلمانية بين الرفض والقبول
موضوع مطروح للنقاش وابداء الراي بكل موضوعية دون التقيد بما ورد في النص فما ورد ما هو الا راي ولا يلزم الا قائله
النص منقول
العلمانية في تونس في سبعة أسئلة
السلام عليكم
ان الموضوع الكلام فيه ذو شجون وان كان العقل يتقبل الافكار الواردة ضمنه في بعضها وينفر البعض الاخر ويرفضه جملة وتفصيلا ..اظن والله اعلم فان بعض الظن اثم ان صاحب المقال بقطع النظر عن عقيدته قد اخلط التحليل واختلطت عليه الامور سابرزها اقتباسا جملة بجملة تباعا ..فالعلمانية الكلمة المشتقة من العلم لا يرفض عاقلا العلم والمعرفة واما ان اصبحت ايديولوجيا معينة فالرافضين لها حدث ولاحرج ولعمري ان تضبط هاته المفاهيم بسبع او اسباع شروط ومقترحات ..اذن ساتناول الامر واقف عند كل فكرة .
منذ نجاح الثورة في تونس و بعد عشرات السنين من التبعية الفكرية للزعيم الواحد و القائد المهم، أصبح من الضروري أن يتمكن التونسيون من تقرير مصيرهم و إختيار بعض التوجهات الأساسية لدولتهم في العديد من المسائل المهمة و المصيرية. إحدى هذه الخيارات هي العلمانية
هنا يتبادر الى ذهني واسال صاحب المقال سؤالا وجيها عن ما كان يحكمنا من نظام فاين يضعه ويرتبه ؟ فهل كان نظاما اسلاميا محضا ؟ او نظاما مبنيا على ايديولوجيا دينية بحد ذاتها ؟ ام نظاما مقاسا على تداخل بين الاصل والفرع الناتج عنه ..ومن هنا يطرح الاستفهام التالي تباعا لماذا لماذا يطالب الكاتب وغيره من ذاك الاتجاه الفكري بالعلمانية كبديل يترجاه الشعب التونسي بعد ثورته ؟ كان الامر هنا يبرز ان العلمانية هي الحل والخلاص من ماكان سائدا وبائدا في المجتمع ؟ اولم تكن العلمانية موجودة وسارية المفعول في نظام البلاد منذ الاستقلال؟ فهل الزعيم بورقيبة كان رجل دين ؟ وهل كانت افكاره مبنية من عقيدة اسلامية محضة ؟ وهل كان المخلوع تباعا له في السياسة تلك وله نفس المناهج والتوجهات الفكرية التي بني على اساسها نظام الحكم ؟ حتى يطرح هؤلاء العلمانية كبديلا يفرضه الواقع ويسعى الى تجميلها والثناء عليها ؟
و لاحظت في العديد من المرات سوء فهم لأسس العلمانية و إعتبارها كفرا و إلحادا وبل تهجما على الدين الإسلامي و لذا قررت، عوض إعطاء تعاريف مبهمة للعلمانية، أن أجيب عن بعض الأسئلة التي تطرح عادة حول العلمانية في تونس و كيفية تطبيقها في بلدنا العزيز
تبارك الله عليك وعلى جديتك ووطنيتك وعبقريتك التي كلفتك الكثير لتنير الحيارى والتائهين ...
-هل سيصبح الدين الإسلامي ممنوعا؟
طبعا لا، فالعلمانية تفرض على الدولة الحياد "الديني" فلا تفرض دينا و لا تحارب دينا أخر ولن تستعمل الأقليات الدينية في تونس كاليهود و المسيحيين كوسيلة دعاية أمام الإتحاد الأوروبي، فالأقليات الدينية في تونس هي تونسية بالأساس و لا تحتاج إلإ للأحترام على أساس المواطنة و المساواة دون إعتبار للدين
ومن يقدر على منع الدين الاسلامي او بقية الديانات الاخرى في هاته البلاد وغيرها ؟ هل العلمانية التي تتشدقون بها منعت الاسلام في روسيا والهند وحتى الكيان العبري قدرت على منع الاسلام رغم ماتتوفر لها من امكانات وامكانيات مادية وسلطوية كبيرة لان تفعل ذلك ؟ ولكن لا العلمانية ولاغيرها قادرة على منع المعتقدات وبالاخص منها الاسلام ياهذا ؟ فعمر الاسلام ابعد من ان يكون اي كان قادرا على طمصه وازالته من قلوب وعقول الخلق والله حافظا لدينه ولو كره الكافرون والمرتدون .
-هل سيمنع التوقيت الرمضاني و تصبح أيام العيد أيام عملٍ عادية؟
العلمانية تنبع دائما من وضع إجتماعي معين، فمثلا فرنسا لاتزال تعتبر أعيادا مسيحية "كالفصح" و "كلنا قديسون" أعيادا وطنية، و لذا لن تتغير مثلا هذه الثوابت بعلمانية الدولة فالدولة التونسية حتى في الوضع الحالي لا تفرّق بين الأعياد الدينية (المولد أو رأس السنة الهجرية مثلا) و الأعياد الوطنية كعيد الشهداء أو الجمهورية
طبعا كذلك ستحترم العلمانية بقية الاعياد الوضيعة الاخرى وتعتبرها اعيادا وطنية تتساوى مع بقية اعيادنا الدينية كعيد الحب وعيد المراة وهلم جرى من اعياد سنعلمها مستقبلا وماانزل الله بها من سلطان .
-هل سيمنع تدريس الدين الإسلامي ممنوعا في المدارس و المعاهد التونسية؟
كلا. قد يقول البعض أين هو فصل الدين عن الدولة إذن؟ بسبب غياب "كنيسة" في الدين الإسلامي، لا يمكن تفويض التعليم الديني كليا "للمساجد" لذا يمكن أن يصبح هذا التعليم إختياريا لكل تلميذ أو أن تتطور مادة "التربية الإسلامية" إلى "التربية الدينية" حيث تؤسس أيضا للتأخي و التحابب بين المواطنين على إختلاف دياناتهم
وغير مستبعدا هذا وقد تم تطبيقه سابقا ونعيشه حاليا فقد جاءتنا سياسة نشف المنابع للشرفي بامثلة كثيرة تم تطبيقها لدرجة ان التربية الاسلامية اصبحت تسمى بالتربية الدينية وتم ازالة محاور عديدة وحذف نصوص وايات كثيرة يراها البعض تنمي الكراهية لليهود والنصارى وحتى الضوارب في تلك المادة تم تقليصها الى ابعد حد ..وطبعا العلمانية ستقضي على ماتبقى منها وتصبح مادة اختيارية وقد يختارها التلامذة والطلبة بكيفية تتساوى مع مادة التربية الوطنية او غيرها من المواد المنسية المهجورة .
-هل ستغلق المساجد و يمنع بناؤها؟
في تونس كانت الدولة تقوم ببناء عديد المساجد، لكن المواطنين أيضا كانو يساهمون بصفة كبيرة في التمويل و نظرا لعدد المساجد المرتفع في تونس لن يكون إشكالا إن تخلت الدولة عن هذا الدور و إكتفت بإسناد رخص البناء للمساجد كبقية البناءات الأخرى. و يقرر الدخول إليها حسب الوضع الأمني و توافد الناس إليها، ففي العديد من الدول تغلق بعض المساجد إلإ أوقات الصلاة و تفتح الأخرى كامل اليوم للزيارة إلى جانب العبادة
امر يضحك ويبكي في نفس الوقت حين تقول ان الدولة هي من تقوم على بناء المساجد وعليها التخلي عن ذلك مستقبلا ولربما تقترح عليها بناء الحانات والنزل لانها تدر اموالا طائلة وتنعش الحياة الاقتصادية وكذلك السياحة ..واما اشارتك الى البلدان الاخرى التي تغلق المساجد ولا تفتحها الا لاوقات الصلاة فكانك لا تعيش في تونس عهد الزعيم والمخلوع حتى تتهرب من الواقع ولا تشير اليه عن قرب واكثر دراية ..فهل كنت ترى المساجد مفتوحة في كامل الاوقات ؟ هل نسيت كم من مسجد تم غلقه وبالاخص منها المساجد القريبة من الكيات والجامعات ؟ وغيرها من المساجد والجوامع التي كانت تحت الرقابة الامنية للدولة وغلقها واعادة فتحها ثم غلقها مرارا وتكرارا ؟؟وطبعا عوض القول بان العلمانية ستسعى الى عدم التدخل في الشؤون الدينية للمواطنين ولا تحرمنا من مساجدهم وجوامعهم في اي وقت وزمن يرغبون دخولها سواء للدروس او العبادة قلت لا باس بغلقها وحتى بناءها تتكفل به المواطنين الراغبين في ذلك ..كما انك ترى انه لابد من نهاية وكفاية لمزيد من المساجد فلقد تراها في منظورك لربما تقلقك ما يصدر منها وبالاخص الاذان ؟؟؟؟
-هل ستصبح المساجد منابرا سياسية؟
أستعملت المنابر من قبل للتطبيل و التهليل للرئيس السابق، و يتخوف العديد من أن يتكرر هذا الأمر أو تصبح المساجد ناطقا رسميا بإسم أحزاب الإتجاه الإسلامي، لكن التوجه العلماني للدولة يطلب من الأإمة الحياد السياسي، كما أنه يسعى إلى تكوينهم مدنيا. و من المنطقي أن لا يقوم الإمام بالدعوة لحزب على حساب أخر في ظل مناخ حريات دينية تضمنه العلمانية في أسسها
هنا وقعت في الخلط بين ما تدعو اليه العلمانية وما تسعى اليه الديانة الاسلامية الحنيفة ..يعني ان العلمانية في المفهوم الذي تتبناه تمنع ان تكون المساجد منابر للسياسة والسياسة ترفضها العلمانية اذا ما تناولها الايمة والخطباء والوعاظ وبالتالي يقتصر امرها على العبادات لاغير وحتى تبلغ فكرتك اشرت الى تسييس المساجد في خدمة الانظمة والاحزاب وبالتالي تحذر من مخاطرها على جميع الاطراف سواء حزبية او دينية ..وهذه هي لب الموضوع فصل الدين عن السياسة وهذا لعمري جهل منك او اصطناعة الجهل وركبه باعتبار ان الدين شامل للحياة الاجتماعية بمافيها السياسة .
-هل سيمنع الحجاب و اللحية؟
تدخل هذه المسائل في نطاق الحريات الخاصة، فلا وصاية للدولة على لباس أو مظهر أو دين أو رأي سياسي و لن يُراقب من يصلي الصبح حاضرا في المسجد كما كان الوضع سابقا، فدور الدولة (علمانية كانت أو لا) هو أساسا الحفاط على الأمن العام ولكل الحرية في ممارسة دينه أو عدم ممارسته، فالحريات الشخصية هي الأساس و منعها الإستثناء
وماذا عن المجون والعراء والتفسخ الاخلاقي ومظاهر التسيب والانسلاخ من القيم والمبادئ والاخلاق التي بني عليها المجتمع وكان للاسلام دورا هاما في ترسيخها في المجتمع منذ قرون ؟ .طبعا لا تمانع العلمانية اللحى والحجاب ولربما بل تمنع النقاب واللباس الطائفي وان تغاضت عنها وتركتها فانها لا تمانع في مايخالفها ويغايرها من مظاهر الانحطاط الاخلاقي ..وتنسى بل تتجاهل ان المجتمع في غالبيته مسلم واصل الاسلام هو اساسه ..وما يخرج عنه شواذا بل مساوئ الغرب التي غزانا بها وشاع في مجتمعنا لدرجة فقدان البعض للهوية العربية الاسلامية ..فانحطاط الغرب وعيوبه تقبل بها العلمانية في ديارنا رغم علمنا بها وهذا لا تراه مانعا بل تسعى الى تحقيقه والحفاظ عليه .
-هل سيُغَيَر الفصل الأول من الدستور؟
نوعا ما، فالتنصيص على "دين الدولة" غير مقبول عمليا، لكن التذكير بالجذور الإسلامية لبلادنا ممكن. كما يتسائل البعض عن نقطة دين الرئيس التونسي و الذي يتوجب أن يكون الإسلام، و هنا نذكر أن لا أحد بإمكانه التثبت من هذه النقطة عمليا ولذا يفضّل أن يلغى هذا الشرط و أن يترك للتونسيين حق الإختيار حتى نتجنّب المغالطات و نبني مشهدنا السياسي على الصراحة و الشفافية
يعني ان الدولة ليس لها دينا ؟ ولربما دينها كما تدعو اليه هي العلمانية ..وطبعا لا نتفاجئ بتغيير الاسماء فتمنع الاسماء العربية ويتم تعويضها باسماء غربية تماشيا وانسجاما مع الغرب العلماني واقتداء بمصطفى كمال اتاتورك التركي في بناء الدولة التركية على اسس العلمانية ولكن الم تقرا التاريخ جيدا ؟ فتعلم ان ذلك لم يفلح ولم ينجح في تركيا فلقد حافظ غالبية الاتراك على اسمائهم العربية الى يوم الدين هذا وبقي الاسلام في قلوبهم وقد عاد من جديد رغم ما مورس في حق الشعب من اضطهاد وتنكيل واكراها في الدين .
ولا تستبعد ان يكون رئيس البلاد كافرا او ملحدا او يهوديا او بوذيا وكما تشاء وتشاء العلمانية يحكم شعبا غالبيته مسلمة فرعون او هبل او غير ذلك المهم بالنسبة للعلمانية ان ترضى الناس على حاكمنا وان كان كافرا بالملة واكلا للغلة ويفعل بها مايشاء ويشتهي ..
في نهاية المطاف، أريد أن أوكد على أهمية العقد الإجتماعي في دولة القانون و المؤسسات و أن التشريع، حتى و إن كان مستوحى من الدين الإسلامي(إرث، حريات عامة مثلا)، لا يمكن أن ينبثق إلا من إرادة الشعب وحده و أنه، في المجال العام، تبقى علوية الدولية هي الأصل و لكل شخص الحرية في إختيار دينه و ممارسته في المجال الخاص، دون تضييق أو مراقبة
وهل رايت ارادة الشعب هي خلاف ما تدعو اليه ؟ بالاحرى هل الشعب يريد العلمانية كحل من الحلول بدل الاسلام المتاصل في كيانه وتاريخه ؟ هل ان الاسلام يتعارض مع العلم والمعرفة ؟ هل الاسلام يدعو الى ابادة واضطهاد الاقليات في المجتمع غير المسلمة ؟ هل الاسلام يدعو للتطرف والغلو في الايمان لتكفير الناس وحكمهم بخلاف ما انزل به الله سبحانه تعالى ؟ هل لم تكن للاسلام دولة اسلامية مدنية بنت حضارة العرب لعدة قرون خلت نهم منها الغرب ونالت منها الحضارات الغربية من علوم ومعارف لاتزال دررا ثمينة الى حد الساعة ؟ هل للعلمانية قائدا ورمزا في الاخلاق والفضيلة والسمو والحنكة والسياسة افضل من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يكون قدوة لهم حتى نهتدي بمن يدعونا الى علمانيتهم ؟ هل اطلعت ووصلتك انباء واخبار بني علمان عن فساد مجتمعاتهم وكثرة الجريمة والرذيلة وقطع صلات الرحم وفساد النشء والنسل ؟ هل ترى التقدم العلمي والتكنولوجي الغربي اساسه العلمانية فحسب ولذلك تسعون الى ارسائها في مجتمعات مسلمة يحسدونها على الترابط الاسري ورقي الاخلاق ومكارمها وثبات المجتمع افرادا وجماعات على اختلافات توجهاتهم وميولاتهم ؟
ساكتفي بهذا القدر ولربما لنا عودة للمزيد ان شاء الله
.