أثر البلاغة في الحاكم
يروى عن الخليفة عبد الملك بن مروان، أنه غضب على رجل يدعى رجاء بن حيوة، فقال: والله لئن أمكنني الله منه لأفعلنّ به كذا وكذا، فلما صار بين يديه، قال رجاء بن حيوة: يا أمير المؤمنين، قد صنع الله ما أحببتَ، فاصنع ما أحبّ الله، فعفا عنه وأمر له بصلة.
حكمة
قال الشاعر:
وإذا بغى باغ عليك بجهله فاقتله بالمعروف لا بالمنكر
وقال آخر:
قل ما بدا لك من صدق ومن كذب حلمي أصم وأذني غير صمّاء
يعبر البيتان عن منطلقات أخلاقية تكشف بجلاء عما وصل إليه العرب من إشاعتهم لقيم التسامح واستيعاب السلوك الضار والمسيء. فالشاعر الأول يدفع ظلم الجاهل بالمعروف الذي يراه علاجاً للموقف بدلاً من معالجة الخطأ بالخطأ، منطلقاً من الوعي بأن تأثير هذا الموقف أكبر وأعمق في نفس المسيء من سواه. ومثله يذهب بيت الشاعر الآخر الداعي إلى توسيع الحلم على خطأ المسيء فإن سمعت الأذن الإساءة فإن على الحلم أن يستوعبها بإغلاق منفذ الاستسلام لها واستقبالها. كم بنا حاجة نحن العرب اليوم إلى مثل هذه القيم التي أهلتنا للفيء على البشرية يوماً ما.
فوائد لغوية
(الغشيم)
تستعمل العامة في عدد من مجتمعاتنا العربية لفظة (الغشيم) بمعنى الجاهل الذي لا يدرك مداخل الأمور ومخارجها، فهو يجري في أموره على غير فطنة. والاسم عندهم الغَشْمنة، بزيادة النون في اللهجة العامية، كالزعْرَنة والحَرْفنة. وقد ورد في اللغة أن الغشومية هي: الجهل بالأمور. وبهذا تكون الغشمنة هي مصدر الغشيم التي يستعملها العامة بالدلالة نفسها.
مغزى مثل
(أجودُ من هَرِم)
هذا المثل يضرب في جود هرم بن سنان بن أبي حارثة المريّ، من مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن غطفان؛ من أجواد العرب في الجاهلية، وكان سيد قومه. مدحه زُهير بن أبي سُلمى إثر تَحَمّله هو وابن عمه الحارث بن عوف ديات القتلى في حرب داحس والغبراء المعروفة. وقد توفي هرم قبل الإسلام. ومن قصص جوده أنه أخذ عهداً على نفسه أن يهب الشاعر زهير بن أبي سلمى كلما سلّم عليه: عبداً أو أمة أو فرساً أو بعيراً، حتى أن زهيراً استحيا مما كان يصله من جوده، فصار حين يمر بجماعة فيهم هرم ويريد السلام عليهم، يقول: عموا صباحاً غير هرم، وخيركم استثنيت.