السلام عليكم.
الاسلاميون في الحكم ..الاولويات والمهمات الصعبة ..هذا هو عنوان المقال الذي راق لي ورايت انه يحتاج الى قراءات ومواقف ..قد نتخذ منه لاحقا محورا للنقاش والتحاور في بلاغته ووصفه الدقيق للمرحلة الحالية بعد الثورات العربية .
لا شك أن أمر تصدر الإسلاميين للمشهد السياسي في العديد من البلدان العربية بات أمرا متفقا عليه بعد ذلك الفوز الذي حققه الإسلاميون في كل من تونس والمغرب ومصر بل وما سبقه من فوز الإسلاميين ممثلين في حركة حماس في الأراضي الفلسطينية المحتلة والتي على الرغم من كل العقبات التي اعترضتها في خوض الانتخابات البرلمانية منذ خمس سنوات تقريبا إلا أنها تمكنت من الفوز بالأغلبية البرلمانية واكتساب حق تشكيل الحكومة الفلسطينية.
ولعل ذلك التغيير الكبير في الموقف السياسي لصالح الإسلاميين يعكس إلى أي مدى كانت تتوق الشعوب العربية إلى أن يخرج المشروع النهضوي الإسلامي للنور بعد غيبة طويلة له ليس على المستوى النظري ولكن على المستوى العملي حيث عملت كل التيارات والأيدلوجيات - التي تمكنت من الوصول إلى سدة الحكم على مدار العقود الماضية - على تهميش هذا المشروع ورجاله بل والعمل وباستمرار وإصرار على تشويه قادته وتخويف الناس والمجتمع الدولي منهم ومما يطرحون.
لكن اليوم غير الأمس فقد أصبح الإسلاميون قاب قوسين أو أدنى من تولي زمام الأمور في المنطقة العربية فالإرادة الشعبية قالت مقولتها ولم يعد من الممكن أو حتى من المقبول أن تعود الأوضاع لما كانت عليه من التهميش والتضييق لا على الإسلاميين وحدهم ولكن على الجميع بلا استثناء حتى تتساوى الفرص أمام الجميع وتظل كلمة الشعب وإرادته فوق كل محاولات الاستبداد أو الاستفراد بالحكم.
وهنا تتجلى بوضوح خطورة المسئولية الملقاة على عاتق الإسلاميين إذا ما تمكنوا من احتلال الصدارة بالفعل خلال المرحلة المقبلة فالإشكالية الحقيقية ليست في وصول الإسلاميين ومشروعهم للصدارة فذلك ربما يكون مرهونا بعامل الزمن وطبيعة النضال والجهاد من أجل تحقيقه لكن المشكلة الأكبر هي كيفية إنجاح المشروع الإسلامي واكتساب ثقة الناس إذ الفشل في مثل هذه الحالة لا يعني لدى الكثيرين - من المتربصين للإسلاميين ومشاريعهم - فشلا لاجتهاد أو رؤية بشرية تستند لمرجعية إسلامية وحسب ولكنه سيكون في نظر هؤلاء فشلا للرؤية الإسلامية ذاتها وهو ما سيكون السلاح الأنجع والأقوي الذي يعطيه الإسلاميون أنفسهم لهؤلاء المعادين من أجل القضاء عليهم وإقصاءهم من جديد.
ويعني هذا أن الإسلاميين الذين قدر لهم أن يتصدروا المشهد في بعض البلدان وكانوا أسبق من غيرهم في بلدان أخرى ربما تكون في الطريق كالأردن وليبيا وسوريا يحملون على عاتقهم مسئولية ضخمة ستبيض وجه المشروع الإسلامي كله بعد محاولات طمس وتشويه وستخفف من العبء الملقى على كاهل الإسلاميين اللاحقين وبالتالي فهم لا يمتلكون رفاهية الشعور بالزهو والانتصار فالمعركة المقبلة أشد وطأة وتحتاج إلى يقظة واستعداد فالغفلة والركون فيها يعني الموت والتراجع لأسوأ مما كانوا عليه.
ويأتي ترتيب الأولويات كأول تحدي محتمل سيواجه الإسلاميين في الحكم إذ لابد أن يوازن الإسلاميون بين ما يرونه أولوية بحسب برامجهم وأفكارهم وبين ما يطمح الشعب إلى تنفيذه على أيديهم فالاختلال بين هذا وذاك سيقابله حالة من فقدان الثقة بين الشعب والإسلاميين ومن ثم الانفضاض من حولهم والتصديق الكامل لما يروج عنهم من قبل المعادين وهو ما يفرض على الإسلاميين ضرورة إدراك الواقع المعاش والاحتياجات الشعبية من الأساسيات كالأمن والغذاء والملبس فهي اللبنة الأولى التي تضمن حالة من الاستقرار الذي يبني الأوطان ويحقق النهضة.
والإسلاميون مطالبون بأن يرسخوا للحرية وأن يقتلعوا جذور الفساد والاستبداد فثورة الشعوب التي جاءت بهم يمكن أن تكون مرة أخرى لتذهب بهم فما قدموه من تضحيات لم يكن لاسقاط طاغية والمجئ بآخر وإنما ليروا مجتمعا حرا يشعر فيه كل إنسان بآدميته وحقه في التعبير والاعتزاز بذاته وصون كرامته وعليه فالأولى بالإسلاميين هو العمل على توفير المناخ الملائم للحرية والحوار وقبول الآخر وبث القيم التي تكفل احترام الثوابت والمعايير الإسلاميية فضلا عن التقاليد والثقافة الخاصة بكل شعب على حدة.
والحقيقة أن قضية الحرية بالذات ستكون ربما المحك الأهم في علاقة الإسلاميين بغيرهم فرهان الآخرين أن الإسلاميين لا يؤمنون بديمقراطية الصندوق إلا لمرة واحدة وهو المبدأ الذي على أساسه انطلق النظام الحاكم في معركته ضد الإسلاميين في الجزائر زمن فوز جبهة الإنقاذ بالأغلبية البرلمانية وعليه فإن تأكيدات الإسلاميين على احترامهم للإرادة الشعبية أي كانت هو فعل صائب فهي رسالة مكررة لنقض ما يتم الترويج له لكن لابد أن يصدقه العمل وذلك بالبعد عن كل الزلات والسقطات التي تشعر الآخر أو حتى تعطيه فرصة لاتهام الإسلاميين بأنهم يزيفون هذه الإرادة.
لكن في المقابل فإن ذلك لا يعني أن يلتزم الإسلاميون حالة من الإفراط في مبادئهم وقيمهم فذلك في حد ذاته كفيل بإسقاطهم أيضا حيث يتحولون في نظر الناس والمجتمع لنفعيين يتبعون أية وسيلة لتحقيق الهدف فضلا عن تخليهم بذلك عن مبدأ شرعي رئيسي فالله عز وجل كما تعبدنا بالغايات تعبدنا بالوسائل ومن ثم جاء رفض المبدأ الميكافيللي "الغاية تبرر الوسيلة".
والحقيقة أن خيط دقيق للغاية يفصل بين الإيمان بالحرية وتطبيقها وبين حالة التسيب والتنازل عن الهدف الرئيسي للمجتمع الإسلامي, يحتاج ـ كما أشرنا آنفا ـ إلى حالة وعي من الإسلاميين واستحضار كل النماذج النبوية والتاريخية حول هذه القضية لطرح تصور تفصيلي عن الشكل الأفضل والأكثر تعبيرا عن روح الإسلام وهو ما لن يتأتى بالشكل المطلوب إلا في ظل حالة من الوئام والتناغم بين التيارات الرئيسة للحركة الإسلامية في هذه البلدان حتى لا تُستغل الثغرات في العلاقات البينية للحركة الإسلامية ضد الإسلاميين.
وتأتي إشكالية الاستقلال والعلاقة مع الغرب كواحدة من أهم أولويات الإسلاميين أيضا فالمجتمع الإسلامي لم يعد وبحكم ثورة الاتصالات والمواصلات يستطيع أن يعيش منعزلا عن بقية المجتمع الدولي بل إن الكثير من المصالح المتبادلة أصبحت عامل اضطرار للتداخل وتوثيق الصلات والاستجابة لحسابات بعضها له من الأهمية بالقدر الذي لا يمكن تجاهله أو التغافل عنه بل ووضعه في الدرجات الأولى من الاهتمام.
وهنا لابد أن يدرك الإسلاميون أن التبعية التي عاشتها الأنظمة العربية البائدة للغرب كانت واحدة من أهم الأسباب التي دفعت الشعوب للثورة وبالتالي فإن قضية الاستقلال أصبحت أمرا ملحا وضروة شعبية فضلا عن كونه مبدأ عقدي يرتبط بالولاء والبراء يحتاج تحقيقه إلى الكثير من الجهد والطاقة والتخطيط المحكم إذ من البديهي أن الغرب بقدراته الهائله ووجوده الراسخ في قلب المنطقة سيعمل على إفشال كل المشاريع التنموية وإفساد العلاقات العربية العربية بهدف الإبقاء على حاجة المنطقة له.
لكن لا يعني الاستجابة لمطالب تحقيق الاستقلال أن يؤثر الإسلاميون الصدام مع الغرب والدخول في معارك ربما تستنزف طاقاتهم بعيدا عن أولويات أخرى تكون نتيجتها النهائية أن تتحول رغبة الشعب في الاستقلال ودعم الساعين له إلى نقمة ورفض وعليه فإن إدارة ملف العلاقات الخارجية مع الغرب يحتاج إلى دراسة جادة أولا للذهنية الغربية ومحركاتها وثانيا للإمكانيات والمصالح التي تمتلكها البلدان العربية ويمكن أن تستخدم لصالح الشعوب العربية في الضغط على الغرب وثالثا للاستفادة من تجارب الاستقلال في العالم.
وأخيرا فإن هذه الأولويات ليست هي كل ما على الإسلاميين أن يفعلوه ولكنها ربما الملفات الأهم في المرحلة الحالية فهل يعي الإسلاميون متطلبات المرحلة؟
طبعا المقال منقول والغاية كما اسلفت تناول محتواه واثراء الحوار من خلاله
دمتم بخير