هذه العبارة قالها المربي الوقور وهو يوجه حديثه لمن أحسن الظنّ فيه ..ثم عاد وكررها: «نعم أغلقوا شبكة الإنترنت وارتاحوا من شرها «لم يكن» المربي المخضرم الذي قضى في التربية والتعليم عقودا طويلة معبرا عن توجه فكري بعينه ولكنه قالها وهو يتحرّق ألما جراء ما سمع من قصص تتابع الشباب في سردها على مسامعه وهم يتحدثون عن يومياتهم الالكترونية، كان الشباب يتحدثون ببراءة وعفوية في جلسة شبه أسرية في حين يكاد المربي القدير أن يفقد صوابه وهو يردد بعد كل «صدمة» تتركها قصة « الله يزيدني جهلا بشبكة الانترنت وما فيها».
وعلى صدق انفعالات أصحاب مثل هذه الأصوات يبقى السؤال .. ترى هل الانترنت وخدماتها شيء « تكميلي» طارئ في حياتنا بحيث يمكن أن نقرر يوما ما أننا مللنا تبعاته ومستحقاته وعلينا أن نشطبه من سجلات أيامنا لنستعيد هدوءنا وصفاء حياتنا؟ هل يمكن أن نفعل ذلك وقد أنهكتنا كل وسائل الحجب والتنظيم والرقابة، أم أن الخيارات كلها تقود إلى اتجاه إجباري واحد اسمه طريق المعلومات السريع.
لا مناص من الإقرار بأن مسألة حضور شبكة الانترنت وغيابها في حياة الناس لم يعد موضوع قرار أو رغبة لشخص أو مؤسسة إذ باتت الشبكة وخدماتها مثل دم الوريد لجسم الفرد والمجتمع، وفي بلادنا – حيث الشباب هم الغالبية- يتجاوز عدد مستخدمي الانترنت سبعة ملايين إنسان ومنهم نسبة كبرى يمكننا الزعم أن الانترنت باتت عندهم جزءاً من الهوية الشخصية وطريقة الحياة وأسلوب العيش مع ما حولهم.
وهذه الظاهرة الاتصالية ليست عندنا وحدنا ففي بريطانيا قدمت للبرلمان أوائل شهر أكتوبر 2009 نتائج دراسة أجريت على الشباب البريطانيين من سن 16-24 سنة وكان من النتائج المذهلة أن حوالي 75% من هؤلاء الشباب متفقون على أنهم لا يستطيعون العيش بدون الانترنت، كما كشفت الدراسة أيضا وضوح اعتماد الشباب على الانترنت حتى في أدق مشاكلهم الشخصية فمن بين كل خمسة شباب يستخدمون الانترنت يوجد أربعة منهم يستخدمون الانترنت للبحث عن المشورة.
لا شك هناك تأثيرات سلبية على مستويات عدة يمكن أن يتركها التوظيف غير المتزن لخدمات الانترنت على شخصية الفرد وحركة المجتمع في آخر المطاف كما بينت دراسة نشرتها العام الماضي (2008) مجلة the Journal of Affective Disorders . تقول الدراسة :إن من يستخدمون الانترنت بشكل مكثف أكثر عرضة لحالات اضطراب النوم ، وتجاهل المسؤوليات، والفشل في المدرسة أو فقدان الوظيفة، أو عدم القدرة على العمل الإضافي لزيادة الدخل، ومع كل هذا هل نغلق الانترنت؟ ..الجواب لا ..لأن الانترنت أصبحت ثقافة شعبية عالمية وخدماتها أثرت في كل نشاط إنساني تقريبا بعد أن عبرت بحيويتها خطوط الحضارات والجغرافيا والقانون وتجاوزت كل ممنوع.