
ليس من الضروري أن يبشر كل نبي بالذي يليه، وليس من شرط النبي أن يُبَشِّر به من تقدمه، فموسى صلى الله عليه وسلم من أولي العزم من الرسل وكان رسولاً إلى بني إسرائيل وإلى فرعون، ولم يتقدم بشارة لهم به[5]، أما لماذا كان تركيز الأنبياء - عليهم السلام - على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فلأن الحكمة من إرسال الرسل لا تكتمل إلا بإرسال الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ إِلا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ، وَيَقُولُونَ: هَلا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ، قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ، وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ)[6]، فلا بد أن تكون العاقبة للمتقين، والأنبياء السابقون حاربوا الشرك وحققوا نجاحات كبيرة، ولكن كانت مقتصرةً على فترة معينة وبقعة معينة؛ لأن دعوتهم كانت محدودة، وما يلبث النبي أن يلتحق بالرفيق الأعلى فيضيع من بعده الكتاب، وتنتشر البدع، وشيئًا فشيئًا تعود الوثنية، وبمقتضى الحكمة الإلهية لا بد أن تكون العاقبة لأهل الحق، لأن الكون قائم على سنن وقوانين، ونظام دقيق، ولو لم تكن العاقبة لأهل الحق لكان وجوده عبثًا، ومن هنا كان التبشير بسيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم الذي سيحقق النجاح على المستوى العالمي من حيث المكان والزمان فيحقق هذه الغاية، فكان مبعثه بلسمًا لقلوب المؤمنين، وأمل المعذبين، ورجاء المصلحين، قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلا وَبَرٍ إِلا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ، أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الإِسْلامَ وَذُلاً يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ)[7]، وليكون النبي الخاتم شاهدًا على أن الأنبياء السابقين بأنهم بلغوا البلاغ المبين قال تعالى : " وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ " [النساء:٤١].