تعايش الاسلامي والعلماني في وطن عربي
ممكن ام غير ممكن
اخوتي الأعزاء
في ظل ما آلت اليه الأمور في الوطن المقدس وفي ظل التفرقة والتناحر والمد والجزر بين الأطراف المختلفة في الرؤى المستقبلية على مستوى الشعب قبل مستوى السلطة اورد بعض الأفكار الموجزة لما تضج به الساحة الوطنية وما قد تؤول اليه الأمور من تصعيد يعصف بكل ما ثار من اجله هذا الشعب المتناحر المتفكك المتذبذب بين المد والجزر من هذا التوجه او ذاك.
لا اقصد من تدخلي طبعا الانحياز الى طرف دون الآخر بقدر ما اتساءل عن الحل الذي يرضي الجميع دون خسائر للبلاد وللعباد.
كما اترك الموضوع للتدخل لابداء الراي بكل موضوعية بعيدا عن الشتائم والاتهامات
الغرض من المداخلة كما قلت هو تحقيق اهداف الثورة والتعايش السلمي والبناء السلسم للمستقبل في ظل الحرية وبعيدا عن اي دكتاتورية كانت.
لطالما اكتسى الاستقطاب الثنائي بين العلمانيين والإسلاميين صراعا حول المواقع داخل المجتمع و تجلت الحرب بينهما في مدى قدرة كل طرف من الأطراف على جر منافسه إلى الموقع الذي يريده حتى يجبره على تقديم تنازلات تمثل له نوعا من الانتصار. في الوقت الذي لا ينفك فيه العلمانيون على نعت المشروع الإسلامي بالمتخلف والظلامي والرجعي وذلك انطلاقا من مبادئ ورؤى مستمدة من الفكر الغربي ومن نظرته للكون و للإنسان و للمجتمع يغيب عن هؤلاء أن هذا التمشي يحمل في داخله أسباب تهافتيه .
فلئن كان الإسلاميون مدعوون إلى مراجعة عميقة لتصوراتهم فالأمر كذلك ينسحب على العلمانيين لان ما يطرحونه هو عملية إسقاط مسار تاريخي ذو ملامح مخصوصة على مسار تاريخي آخر مختلف تماما .
فطرح نمط دولة لائكية تفصل الدين عن الدولة طرح مغلوط من أساسه لأنه حتى في وجود لائكية فإنه لا بد أن توجد أولا مؤسسة دينية تنطق باسم الله وتبني الناشئة على دين الله ومبادئه الأخلاقية والعقائدية
فاللائكية لا يمكن أن تفهم إلا في سياق تاريخي خاص يحتدم فيه الصراع بين مؤسستين واحدة دينية و الثانية سياسية نازعة إلى التحرر.
إنّ الدولة الغربية الحديثة تبنت اللائكية قصد تحييد الكنيسة التي حالت طيلة القرون الوسطى دون انتشار أفكار التحرر والمساواة والأخوة ومن هنا جاء شعار فصل الدين عن الدولة مستجيبا للثورة على المتحكمين في الأرض باسم السماء فهل كان هناك ما يبرر تحييد الإسلام ومؤسساته؟
إن اللائكية من هذه الجهة الأولى مشكل مغلوط واختيار مصطنع منقول عن الغرب ذلك لأنه لم توجد أبدا مؤسسة دينية احتكرت السياسة و الفكر في الفضاء العربي الإسلامي .
فاللائكية بهذا المعنى والتي تصر إلى الآن قوى العلمنة كالأحزاب اليسارية والليبرالية على تبنيها جعلتنا نعيش تجارب تحديثية "مشوهة" و"عرجاء" لم تفض بنا إلى التقدم المنشود الذي ظلت هذه الأحزاب والتيارات تبشرنا به .
فهذه النظرية المستنسخة عن اورويا مازالت إلى الآن تفعل فعلها في بعض النخب التونسية.إن ما عاشته تونس منذ الاستقلال الى الآن في خصوص علاقة الدولة بالدين هو خليط غريب من اللائكية والتيوقراطية والمعاداة للدين لقد أخذت من اللائكية قوة النظام السياسي غير المستند إلى عقيدة دينية
و من التيوقراطية اعتبار الحكومة نفسها المرجع الأصلح و الوحيد لفهم الإسلام و تحقيقه وإن ما عاداه من المفاهيم والتحركات ليست إلا وهما وظلاما ومن المعاداة للدين رفض جوانب رئيسية من معتقدات المؤمنين وتحقيرها باعتبارها عوامل إضعاف وتأخر وكان من جراء هذا الخلط العجيب المفتقد لأي نسق داخلي بروز الاحتجاج الإسلامي وتنامي الظاهرة الدينية بمختلف أشكالها
لقد حان الوقت أن نتحدث عن قيم إنسانية مشتركة يحددها الواقع الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي ولكن ذلك لن يتحقق إلا إذا تخلينا جميعا عن البنى الثقافية التي ترتهن إلى الوثوقي بما هو نص إلهي مقدس أو إيديولوجيات فكريه متكلسة. إن الانتروبولوجيين وعلماء الاجتماع الديني يدعون إلى ضرورة انفتاح الانسية العلمانية على الانسية الدينية وبهذا الشكل يمكن أن تطور العلمنة الإسلام التاريخي و تنخرط به في مسار التنوير كما يمكن لقيم الإسلام التنويري أن تثري مسار العلمنة وترسخه في الوعي الجماعي .

.