السلام عليكم
البطن الجائع لايفكر وان عممنا قلنا البطون الجائعة لاتفكر هي قولة فلسفية تحتاج الى وقفة تحليلية معمقة ومتسعة ..من المعلوم ان الكائنات الحية في البسيطة لاتفكر باعتبار ان ليس لها عقلا كشان الانسان الذي اكرمه الله واخصه بميزة العقل ..وهذا العقل ميزته الاساسية التفكير والتامل وتدقيق وفحص وتمحيص الاشياء الساكنة والمتحركة منها ..ويرادف عبارة التفكير كلمة العقل ..ولكن ماذا يقال ويشار الى من له عقلا ولا يفكر به ؟ لربما للعقول درجات وميزات مختلفة بين كائن حي واخر حتى بين بني الانسان ..فحتى ذاك المعتوه او المضطرب عقليا يفكر حسب ميزاجه واهوائه ورغباته ..ليراه من حوله انه انسانا شاذا باعتباره خارج منضومة المجتمع وغير ملتزما بماشاع فيه ..وان يحكم هؤلاء العقلاء على ذاك الانسان فيصفوه او ينعتوه بالمريض عصبيا او المعتوه او المجنون وماشابه ذلك من صفات ونعوت بناء على الاختلافات المكتشفة المعلومة بينه وبينهم وهو لايعي ولايعلم انه يخالف غيره من البشر ...وتبقى الاحكام يصدرها العقلاء دون ان يقبلها او يقتنع بها من يخالفهم في السلوك او التفكير او الوعي.
وحتى لاطيل في هذا الامر كثيرا اعود الى لبه فاقول جعل الغذاء المادي للكائنات الحية بما فيها العاقلة وغير العاقلة للبقاء على قيد الحياة فمنها من تفكر اذا امتلات بطونها ومنها من لاتفكر الا في البحث عن الغذاء المادي لاشباع غرائزها او كيفية ايجاده اوالانسب والافضل لها اختياره ..وهناك غذاء روحيا لايقتصر على بني الانسان بل حتى بقية الكائنات الحية الاخرى تشترك فيه معها ..للتناسل والتكاثر ودفعا من الغريزة الحيوانية الفطرية وبعض الغرائز والافعال المكتسبة سواء متوارثة ومقلدة او مبتكرة ومتجددة حسب الزمان والمكان ..اذن كيف للبطون الخاوية الجائعة ان تفكر ؟ يعقبه سؤال اخر يقول هل نحن ناكل لنعيش ؟ ام نعيش لناكل ؟
تواترت الاحداث والوقائع والمستجدات على الساحة الوطنية ..وعقبتها ردود افعال كثيرة ..متعددة.. ومختلفة ..فانقسمت بذلك اطرافا كثيرة في المجتمع بين مؤيدين وداعمين لتوجهات وسياسة الحكومة الحالية على الصعيد الخارجي بالاساس باعتبار ما ستعود تلك السياسة على البلاد والعباد بالنفع والاستفادة من قروضات ومساعدات وهبات ومشاريع اقتصادية وتنموية ضخمة وهائلة وبالتالي تنقذ اوضاعنا الاقتصادية من حالة الركود والتازم التي شهدتها البلاد بعد الثورة ..وراي هؤلاء ان سبل خلاصنا ونجاتنا مرهونا بما ستؤول اليه تلك الزيارات والجولات الخارجية سواء من رئيس البلاد او رئيس الحكومة المؤقتة ..وما ستجنيه وتمسك به" الصنارة" ان صح التعبير ..ولذلك يعظم بعضهم ويتفاخر ويامل خيرا منها ويبشر بمستقبل واعد مشرق ومشرف لشعب ثار من اجل الكرامة ..والمثل يقول "الكرامة قبل الخبز احيانا "..واما الشق الثاني فانه يقف وقفة المعيب والناقد المنتقد فيقول كفانا تذللا وكفانا انبطاحا وكفانا تسولا ومد اليد للقاصي والداني ..واصفا ما تقوم به تلك الحكومة ومن بيده السلطة حاليا بمن يستجدي " اعانة ..هبة ..مساعدة ..لله يامحسنين " ويبرر هؤلاء مواقفهم وخياراتهم ورغباتهم باننا شعبا ثار لاجل كرامته لا من اجل الغذاء وتحسين الوضعيات وتشغيل العاطلين عن العمل والحد من التفاوتات الجهوية ..ويقول البعض الاخر " خبز وماء والتسول والاستجداء لا " ناسين ومتناسين اننا فرطنا في مدخرات بلادنا واتلفنا ثرواتنا وعثنا في البلاد فساد وتخريبا لدرجة بلوغنا مرتبة متدنية اقتصاديا واجتماعية لا يمكن لها ان تستمر الى اجل غير مسمى ..وان سوء تصرف بعضنا من الجشعيين والمستكرشين القدامى منهم والحداثى زادت الطين بلة واتسعت الهوة لتبلغ مرحلة الاستنجاد بالغير لانقاذ مايمكن انقاذه .لقد ماتت القدرة الشرائية للمواطن التونسي وزادت معاناة الطبقة الفقيرة والمعدمة والمحتاجة التي لم ترى نور التغيير بعد ولم تجني ثماره وتتمتع ببريقه ..وما تلك الاوضاع المتردية الا احدى دوافع فئات مختلفة من المجتمع عانت التهميش والنسيان والتفقيروالتغريب لدرجة لا يمكن قبولها او الاستمرار فيها فلجا بعضها الى الاعتصامات والاضرابات والاحتجاجات بغية تحسين الوضعيات المادية لان بطونها فارغة خاوية وليس بمقدورها التفكير او مجرد الصبر على الوعود الاجلة ..التي قد تصدق وقد لا تصدق فتخيب امالهم واحلامهم ومع ذلك ارى ان الغريق يتمسك ولو بقشة في مهب الريح بغية النجاة من الهلاك والبقاء على قيد الحياة ..واللي يتسنى افضل من اللي يتمنى .مع التاكيد بان الجشع متفشيا في الكثير من العباد لدرجة صعوبة التفريق والتمييز بين محتاجا حقا لم يجد رغيف خبز لعياله وانتهازي طماع متحايل لايشبع بطنه ويملا فمه اموال الدنيا وان نالها ...وختاما صدق من قال القناعة كنزا لايفنى ...ولكن للصبر حدود ...على حد قول المرحومة ام كلثوم.

