منتديات جوهرة سوفت - Jawhara-Soft Forums منتديات جوهرة سوفت - Jawhara-Soft Forums

العودة   منتدى التعليم التونسي (Jawhara-Soft) > التعليم و الثقافة > خواطر و مقالات أدبيّة
خواطر و مقالات أدبيّة بخفق الورق و رحابة الحرف نرتقي إلى أكوان الرحابة .. قصة ، شعر ، فلسفة ، خواطر و مقالات أدبيّة


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2012-01-06, 19:19 رقم المشاركة : 1



Icon3 حكاية والدي


شيء رائع أن تحكي تجربة حياة ناجحة تخصّ صديق، قريب، زميل.....فكيف يكون الأمر عندما تتعلّقالحكاية بالوالد..حتما سيكون أروع ،سيكون ممتع إلى أبعد الحدود....
‹‹ إذا تعلّقت همّة المرء بما وراء العرش لناله ››
هذا هو شعار الوالد أبقاه الله طيلة عقود حياته المليئة متاعب .
منذ طفولته عاش فترة فقر متقع فأباه كان (رحمه الله)في أغلب الأحيان عاطلا عن العمل
لم يكن يملك حتى حقولا وأغناما ليوفّر حاجيات عائلته فلو لا ذكاء الجدّة ( أسكنها الله جنانه) و حكمتها لفعل بهم الجوع ما فعل ..
والدي أدام الله صحّته لم يكن يعرف لا خُفّا و لا حذاء إلاّ في سِنّ ال16 عاما ..أكثر شيء كان يحيز في نفسه هو عدم إلتحاقه بالكتّّاب كما أترابه......
ظلَّ هذا الحُلم يلازمه حتى بلغ سن تحمّل المسؤولية سافر إلى الجزائر للعمل عند قريب له .. و من فرط إصراره للقضاء على الأميّة بالضربة القاضية و عزمه على القراءة و الكتابة اتفق على رئيس عمله على أن يكون مقابل الشغل.. تعليمه أبجدية اللغة العربية ..أبَعد هذا التحدّي تحدي؟؟..عاش طفولة حرمان و عندما تحصّل مصدر الرزق اختار التعلّم .. و بالفعل تحقّق حلمه و انتصر في معركته ... أيّ عظمة هذه؟ أي نجاح هذا؟
مرّت السنوات و تواصل نضاله و عزمه على القضاء على الفقر الذي يرافق العائلة .. أكمل نصف دينه.. و وفّر مسكنا لائقا ضمّ فيه والديه و أدخل إليهما السعادة..كانت والدتي خير سند في مصاعب الحياة .
توفّيت والدته بعد صراع مع المرض رافقه عناية و رفع معنويّات من الزوجين..مضت عدّة شهور ليطلب منه الوالد البحث على شريكة حياة للإشراف على الإعتناء به،و بما أن ذلك من سنن الحياة كان له ذلك..
كان دائما يحمد الله على كل النعم .. خاصة على تحسّن مستوى عيشه ..رُزق بثلاث بنات ثم بولد أدخل على العائلة الموسّعة فرحة لا توصف للإعتقاد أنه لا ‹‹يُعَمِّرَ›› البيت إلاّ بقدوم الأولاد.. رُزِق بعد ذلك ببنت أخرى.... و ذات يوم أُصيبت العائلة بفاجعة كانت الأكبر في حياته ..فقد بلغ الإبن الوحيد السادسة من عمره وكان الجميع ينتظر موعد دخوله مقاعد الدراسة لكن ذلك لم يتحقق فقد سقط جدار حديث البناء أودى بحياة الطفل المدلّل...طبعا لا يمكن وصف حجم الحزن الذي لازم الأبوين خاصة وأنّ أثناء البحث عن الجثّة شاءت الأقدار أن يعثر عليها والدي في مشهد لكم أن تتصوّروا بشاعته و مدى تأثيره عليه....رغم كلّ هذه الأحداث صبر صبرا كما لم يتصوّره أحد لا بل في أصعب اللحظات كان يدعو أمّي أن تصبر ..طبعا فإيمانه و ثقته بالله كانتا أكبر بكثير من ما كان يسمعه من الآخرين..
و هو ليس بغريب على إنسان يقضّي معظم وقته في الصلاة والصيام و تلاوة القرآن و الصدقة و... و...
أَليْس الصبر مفتاح الفرج ؟ نعم ..فبعد وفاة إبنه رُزق بأربعة أولاد بالإضافة إلى بناته الأربعة ..كرّس حياته ليجعل منّا ناجحين في
الحياة و الدراسة..كان يسعى إلى أن نكون من المتفوّقين في دراستنا حتى لا نذوق مرارة الغربة و لوعتها كما عاش هو ويلاتها
وهو في بلاد الغربة كان يتّصل باستمرار.. ينصح ..يسأل..يوفّر كل حاجياتنا.. و في وجوده كان يعلّمنا أصول الحياة بأسلوب سلس ..العزيمة ،الإقدام، المحافظة على واجباتنا الدينية ،زيارة أقاربنا،حب الوطن...
كان يسعد كثيرا عندما نتفوّق في الدراسة ..طبعا فنجاحنا نجاحه ..أتذكر جيّدا اليوم الأوّل في دراستي الجامعية ..وُجهتُ للدراسة في العاصمة ..طبيعي أن يزدوج شعور الوالدين بين الفرحة و القلق ،قلق على ابنتهما التي ستتحمّل المسؤولية وحدها بعيدة عنهما ..أوصلني الوالد الحنون حتّى يطمئنّ على مكان السكن و الدراسة ..كانت لحظة الفراق مؤثرة فقد نزلت من عينيه دمعات غالية بقيت تلازمني طيلة تواجدي هناك لتكون لي حافزا لمضاعفة المجهود و صون شرفي و كرامتي ...كما لا يمكن أن أنسى مساندته لي عندما رفضتني مديرة المبيت الجامعي (سامحها الله) متعلّلة بأنني أمثّل لها خطرا بسبب نوعيّة اللباس الذي أرتديه ..ضلّ يقنعها أنه لا علاقة للموضوع بأي انتماء سياسي إلى تراجعت على موقفها..
الحمد لله ثُمّنت كل مجهوداته و تضحيّاته بالنجاح فكل الأبناء و البنات يعيشون حياة كريمة ،أشرف على زواجهم إلاّ أصغرنا ندعو الله ليطيل عمره و يفرح به..يقضّي فترة تقاعد كأحسن ما تكون..بين زيارة الأحباب ,متابعة الأخبار, المطالعة ,أداء فرائضه الدينية بكل خشوع ..هو أب لثمانية أبناء و جدّ ل 16 حفيد يرعاهم بحنانه و دعابته ..هو الآن في أواخر السبعينات من عمره لكنّه شباب في تفكيره و تجديده للحياة..دمت أعز ,أروع, أحنّ أب و جدّّ...تعلّمنا منه الطيبة، الصدق،الشجاعة ...علّمنا أنّه لا يأس مع الحياة و أنّه لا
وجود لمستحيل مع العزيمة و الثقة في النفس فرغم الاحتياج الذي عاشته العائلة كان أوّل من قاد السيارة في البلدة و أوّل من أدخل التلفاز في المنزل حين كان يجتمع عليه الأهالي.. ثم الهاتف....ليكن عبرة لكل من يعيش محنة مهما كانت حدّتها.



  رد مع اقتباس
إضافة رد

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
حكاية و عبرة بنت الجنوب الأسرة والطفل والطفولة 2 2011-09-14 19:43



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 08:46


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة 2010-2023 © منتديات جوهرة سوفت