بنزرت : متحف للصناعات التقليدية.. في المدينة العتيقة

بنزرت : متحف للصناعات التقليدية.. في المدينة العتيقة




تزخر مدينة بنزرت بالمواقع الأثرية المختلفة والتي ظلت تروي للأجيال وماتزال قصة تجذرها في أعماق التاريخ وتعاقب الحضارات عليها.ومن أبرزها المدينة العتيقة التي تحكي بأبراجها وأسوارها الشاهقة شموخ التونسي وعظمته على مر العصور.في هذه المدينة، وداخل أسوارها.

تستوقف المتجول الكثير من المباني التي ظلت محافظة على طرازها المعماري القديم كالمبنى الذي تعتزم جمعية صيانة المدينة ببنزرت تحويله الى متحف لشواهد الصناعات الحرفية وسط المدينة بالقصبة بجانب جامع الحنفي الذي تمّ ترميمه من قبل المعهد الوطني للتراث.

ونظرا لكون هذا المبنى عرف تاريخيا بسجن القصبة فإن عملية تحويله الى متحف لن تحرم الزوار من هذه الحقبة التاريخية اذ سيتم تهيئة مشهد بأحد أجنحة المتحف يرمز إلى ذلك. ولئن ثبت تاريخيا أن كل الحصون والأربطة التونسية كحصون صفاقس وسوسة والمنستير خصّص داخلها فضاء استعمل كسجن فإنّ حبس المدينة ببنزرت قد يكون الفضاء الوحيد الذي تواصل استغلاله حتى بداية الاستقلال من قبل «إدارة الشرع» لمنع المخالفات الخفيفة كالشحاذة والإخلال بالآداب...

ومن الطريف أنّ هذا الفضاء استعمل إلى جانب وظيفته الأساسية كسجن مقرا للحجر الصحي لمدّة 40 يوما لمراقبة كل الوافدين من اللاجئين لأسباب سياسية واقتصادية من الأجانب كالإيطاليين والأسبان للتأكّد من خلّوهم من الأمراض المعدية مثل الطاعون والجرب...



أمّا بقية أقسام المتحف فستكون شاهدا على عمق الرصيد الحضاري الذي تزخر به المدينة العتيقة عامة وفضاء الرحبة خاصة والذي يغطي كلّ أوجه الحياة كالحرف والمعاش والعوائد والصنائع مما يعيد الاعتبار للأسواق العتيقة. فالمعروف أن مدينة بنزرت تزخر بالأسواق القديمة كسوق العطارين التي تنتصب بقلب المدينة العتيقة بجانب ساحة الربع.وقد اندثرت هذه السوق تقريبا إذ لم يبق بها إلا محل واحد. وقد اختص أهل هذه الصناعة في تقطير الرياحين واستخراج الطيب من الياسمين والورد والريحان والنسري... ولهم فيها كيفيات وأسرار.

وسوق الحدادين التي احتلت مركزا محوريا بين الجامع الكبير والرحبة تشهد على رسوخ هذه الصناعة ببنزرت في أواخر القرن 18 وبداية القرن 19 في اختصاصات عسكرية كالسيوف والخناجر..ومدنية كالقناطر و»الدرابز» والمواقد والكراسي وأخرى فلاحية كالمحراث و»الجاروشة» والمنجل..وتجهيزات الدواب كالمدور واللجام... وسوق النحاسين التي لا تزال ثابتة عبر الزمن بجوار رحبة مدينة بنزرت وقصبتها وسوق النجارين التي تشهد هي الأخرى إلى اليوم على أصالة هذه المهنة وعراقتها والتي يعود انتشارها ببنزرت إلى العهد التركي العثماني إضافة إلى مهن أخرى كالحجامة،والتي يجتمع أهلها ببنزرت العتيقة في حومة أو نهج يطلق عليه «الحجامين» من باب الجديد إلى حومة الشرفة،فالحجّام قديما كان يتقن إلى جانب حلاقة الرأس واللحية وتنميق الشوارب، صنائع أخرى كالختان ومعالجة الجروح و»تنحية الدم»...

ولأن بنزرت مدينة ساحلية فإن مهنة صيد السمك تعتبر اختصاص المدينة وسيكون لادواتها ووسائلها العتيقة والتقليدية جناح بالمتحف يذكر بها، وقد تحدّث المؤرخون والرحالة عن سحر بنزرت هذه المدينة الجميلة التي يخترقها الماء من كل جانب.

وإضافة إلى كل هذه الصنائع تسجل المرأة حضورها خاصة من خلال مهارتين أساسيتين هما الطريزة والجمعة (الشبكة)، وهما مزيج من المهارات التركية العثمانية والأندلسية. كل هذه المهن والصنائع والحرف ستخصص لها أجنحة بالمتحف تأكيدا للهوية الضاربة جذورها في عمق التاريخ والمتفتحة على الدوام على الآخر في توازن مشهود بين الأصالة والمعاصرة.